الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يشك في كل شيء حتى في نفسه ووجوده

السؤال

جزاكم الله خيرا على هذا الموقع النافع الخيّر.
إلى الشيخ الفاضل تحية طيبة، وبعد:
فإني أبين لك أنني أشكو من وساوس، وشكوك دائمة لا تنقطع في كل شي في هذه الحياة, شكوك في وجود الله تعالى, وشكوك في أي شيء في أنه حدث, لم يحدث, شكوك في وجودي، في وجود هذه الحياة ...إلخ
هذا؛ وإن الشكوك في وجود الله معها شكوك في وجود دين الإسلام, شكوك في التاريخ كله موجود أو غير موجود, ومثلما قلت لك: شكوك في كل شيء تقريبا, ولكن الأشد إيلامًا في هذه الشكوك هو: الشكوك في وجود الله. هذا مع العلم أنني محب للدين، ملتزم ببعض تعاليمه من لحية، وصوم، ومحب للصحابة، وعلى رأسهم أبو بكر.
وقد حاولت أن أقنع نفسي مرارا و تكرارا بوجود الله، فلم أفلح، وأقول لك بصراحة: أنه إذا حاول أحد المشايخ وحتى لو كان متخصصا ولو كان أعلم من في الأرض إقناعي بوجود الله فلن يفلح؛ لأنني ببساطة سأعود وأشك بوجوده مهما كان الدليل العلمي أو غير العلمي واضحا وبينا، وحتى لو كشف رب العالمين الحجاب وأرى نفسه للناس أظل أشك بوجوده (وبسبب هذا أظن أن المشكلة عندي مشكلة عقلية نفسية مركبة إلا أن يجيبني الشيخ بغير هذا، ويفند هذا الظن), ولقد حاولت أن أقنع نفسي بوجود الله، وذلك من أجل الصلاة على الأقل، فقلت لنفسي: طيب, افترض أن الله موجود، واذهب إلى الصلاة في المسجد على أساس هذا الافتراض، وإن شاء الله سيقبل الله مني هذه الصلاة؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وحتى هذا الحل لم يفلح، فإني أشك ليس فقط بوجود الله، بل أشك أيضا في جدوى الصلاة من أساسها.
كما أنني فكرت في حل آخر، وهو: أن أؤمن بالله على الفطرة، لأن كل مولود يولد على الفطرة، فأذهب إلى المسجد للصلاة على هذا الأساس، ولكن أيضا هذا الحل لم يفلح بسبب كثرة الشكوك عندي.
ولمزيد من الإيضاح فإن المشكلة عندي يا شيخ مشكلة معقدة متعددة الجوانب:
أولاها: مشكلة هذه الوساوس الكثيرة جدا، ومشكلة الاكتئاب، والتي تغيرت شيئا ما إلى مشكلة انعدام الرغبة في عمل أي شيء، لأنني تابعت نفسي بالأدوية المضادة للاكتئاب، ووصلت إلى حد مقبول من الشفاء, وعندها ارتكبت خطأ فادحا بقرار ذاتي مني بالتوقف عنه، لأنني رأيت أنه لا داعي له.
وهناك أيضا مشكلة أعتبرها كبيرة تؤلمني كثيرا, وهي: مشكلة ضعف التركيز -أو الانتباه-، وضعف التعبير عن الأفكار، وضعف الشخصية أيضا, وأتعامل مع المشاكل بنوع من السلبية -أي: الهروب منها-.
وثمة شيء مهم أقوله لك, وهو: أن أبي -توفي من سنوات- كان شيوعيا، فلا أعرف إذا كان ما بي أحد أسبابه المورثات التي انتقلت من أبي -أقصد طريقة تفكيره، ونظره إلى الدين- إليّ؟ وأمي مسلمة، ولكنها ليست متدينة، ولا تصلي، ولا تؤمن ببعض الغيبيات كيوم القيامة مثلا، أي: أنني نشأت وترعرعت في بيئة غير إسلامية عموما، وحاليا تحسنت قليلا هذه البيئة.
والآن هذه هي الأسئلة، وأرجو الإجابة على كل واحد منها على حدة -إذا تكرمت-:
- ما الجواب على مشاكلي بشكل عام، والشكوك والوساوس بشكل خاص؟ وما العلاج؟ وما النصائح؟
- هل هناك أحد في مثل حالتي أو أشد أو أخف منها شرح مشكلته لكم؟ وكيف كان علاجه أو بم نصحتموه؟
- ما النسبة من الناس الذين في مثل حالتي بالنسبة للمجتمع ككل؟
- بناء على شرحي لحالتي؛ هل أنا مكلف بتكاليف الإسلام الخمسة أم لا؟ لأنني تخطر فكرة في بالي أنه بما أنه هناك شيء من القدرة العقلية وصلت بها إلى الجامعة، وأعي ما يجري من أحداث حولي وفي العالم، أنني قد يكون مستحسنا مني استحسانا فقط الإتيان بتكاليف الإسلام هذه، ومنها: الصلاة التي أحب أن آتي، ولو بعضا منها (الأحب إلى الله)؟
- ما اسم مرضي في الطب النفسي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد صدق الأخ السائل في وصفه لمشكلته بأنها مشكلة عقلية نفسية! فإن شكه لم يقتصر على الغيبيات، بل تعداه إلى مرحلة الشك في وجوده هو نفسه في هذه الحياة، وفي كل شيء تقريبًا على حد وصفه، حتى ما يشك فيه من أمور الغيب كالإيمان بالله تعالى ليس لكونه غيبًا، وإنما بسبب مرض الشك ذاته، وإلا فكيف نفسر قول السائل: "حتى لو كشف رب العالمين الحجاب وأرى نفسه للناس أظل أشك بوجوده !!!".

والمقصود: أن مشكلته ليس متعلقة بالغيبيات أو أمور الإيمان، وإنما هي مشكلة مرضية تحتاج إلى مجاهدة، ومتابعة طبية، وبرهان ذلك: أن الأدوية المضادة للاكتئاب التي تابعها السائل في الماضي وصلت به إلى حد مقبول من الشفاء، ولكنه أخطأ وأوقفها دون استشارة الطبيب.
والذي نريد لفت النظر إليه: أن مجرد البحث عن أدلة أو براهين علمية لا يكفي وحده، بل لا بد من معالجة أصل الداء، وهو: الشك المرضي، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 132018.
ولذا؛ فإننا ننصحك بمراجعة طبيب نفسي مختص، ويمكنك مراسلة قسم الاستشارات على موقعنا للإجابة على أسئلتك، كما يمكن الاطلاع على الاستشارات التالية للفائدة:

http://consult.islamweb.net/consult/900
http://consult.islamweb.net/consult/2239235

http://consult.islamweb.net/consult/2163628
وأما مسألة بقاء التكليف في حق من هو في مثل حالك: فراجع فيها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 102447، 68209، 68045.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني