الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من نذر نذرا وعجز عن الوفاء به

السؤال

امرأة أصابها مرض، فنذرت إذا تعافت من المرض أن تطعم 7 أيتام في كل يوم (فطورا، وغداء، وعشاء)، وبفضل الله تعافت، لكنها استدعت أيتام جيرانها فأتوها لمدة أيام قليلة، ثم انقطعوا، وهي تستدعيهم لكنهم يأبون ذلك، فاستفتت أحد الشرعيين، فقال: ادفعي طعام 7 أيتام ما بقي من أيام الأشهر. فهل عليها إثم؟ وهل الحكم صحيح؟
أفتونا مأجورين -إن شاء الله-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا النذر الذي نذرته هذه المرأة يسمى: نذر التبرر أو الطاعة، وحكم الوفاء به: الوجوب، لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، ومَن نَذَر أنْ يَعْصِي الله فلا يَعْصِهِ. رواه البخاري، ومالك، وأصحاب السنن. قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني عند كلامه على أقسام النذر: والقسم الثاني: فنذر طاعة وتبرر ... وهو ثلاثة أنواع: أحدها: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر. فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع كالصوم، والصلاة، والصدقة، والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. انتهى.
والإقدام على مثل هذا النذر مكروه لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه؛ قال في المغني: ولا يستحب؛ لأن ابن عمر روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. متفق عليه، وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم، لأنه لو كان حراما لما مدح الموفين، لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحبا لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأفاضل أصحابه. انتهى.
والوفاء بالنذر واجب على الكيفية التي نذرت بها صاحبته، فإن نذرت أن تطعم سبعة أيتام ولم تعينهم، فإنها تطعم سبعة أيتام (فطورا وغداء وعشاء) عدد الأيام التي عينتها، وتستعين بالجمعيات الخيرية في إطعام الأيتام.
وأما إذا نذرت أيتامًا معينين ثم عجزت عن إطعامهم عجزًا دائمًا، واتخذت جميع الوسائل لإطعامهم، فتلزمها حينئذ كفارة يمين، وأما إن كان عجزها يرجى زواله، فتنتظر حتى توفي بنذرها، وتسعى في ذلك، وذلك كأن تقوم هي بإيصال الطعام إليهم بدلًا من دعوتهم إلى بيتها؛ قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها، فعجز عنها، فعليه كفارة يمين؛ لما روى عقبة بن عامر، قال: «نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته، فقال: لتمش، ولتركب» متفق عليه. ولأبي داود: وتكفر يمينها. وللترمذي: «ولتصم ثلاثة أيام». وعن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين. قال: ومن نذر نذرا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين.» رواه أبو داود، وقال: وقفه من رواه عن ابن عباس. وقال ابن عباس: من نذر نذرا لم يسمه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا في معصية، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا يطيقه، فليف الله بما نذر. فإذا كفر، وكان المنذور غير الصيام، لم يلزمه شيء آخر. انتهى.
وقال أيضًا في المغني: قال أحمد فيمن نذر عتق عبد بعينه، فمات قبل أن يعتقه: تلزمه كفارة يمين، ولا يلزمه عتق عبد؛ لأن هذا شيء فاته، على حديث عقبة بن عامر، وإليه أذهب في الفائت، وما عجز عنه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني