الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الكذب يحبط الأعمال؟

السؤال

سؤالنا في مسألة الكذب: حديث (آية المنافقِ ثلاثٌ... وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلمٌ) الراوي: أبو هريرة. المحدث: مسلم. المصدر: صحيح مسلم. الجزء أو الصفحة: 59. حكم المحدث: صحيح.
فهل نقول: أن الكذب يحبط الأعمال؟ وهل للكذب حد إذا وصله المسلم يعد كاذبًا؟ أم إذا كذب مرة واحدة يعتبر كاذبا، أم يكذب ثم تغفر سيئاته بقوله: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة؟
ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكذب خصلة قبيحة، بينا بعض مساويها بالفتوى رقم: 146171.

ثم إن الأصل: أن الكذب لا يحبط الأعمال الصالحة، ولكن قد يكون وسيلة للنفاق الأكبر، فيحبط معه العمل، وهو في ذلك كالكبائر، وقد بينا مدى تأثيرها في إحباط العمل بالفتوى رقم: 34468.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: والذي فسره به أهل العلم المعتبرون: أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع، والمكر، وإظهار الخير وإبطان خلافه، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: النفاق الأكبر، وهو: أن يظهر الإنسان الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه،...

والثاني: النفاق الأصغر، وهو: نفاق العمل، وهو: أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك. وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث، وهي خمسة: أحدها: أن يحدث بحديث لمن يصدقه به، وهو كاذب له،... قال الحسن: كان يقال: النفاق اختلاف السر والعلانية، والقول والعمل، والمدخل والمخرج، وكان يقال: أسّ النفاق الذي بني عليه الكذب...". وليس المعنى: أنه يحبط العمل بالكذب، والنفاق الأصغر، ولكن أن يقوده النفاق الأصغر العملي إلى النفاق الأكبر، فيحبط عمله؛ قال ابن رجب: قال الأوزاعي: قد خاف عمر النفاق على نفسه، .... والظاهر: أنه أراد أن عمر كان يخاف على نفسه في الحال من النفاق الأصغر، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر، كما أن المعاصي بريد الكفر، وكما يخشى على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت، كذلك يخشى على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا. وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ فقال: ومن يأمن على نفسه النفاق؟! انتهى.

وقد ذكرنا حكم الكذب، والخلاف في كون كبيرة بالفتوى رقم: 196943، وإذا قلنا بكونه كبيرة، فلا بد له من توبة، ولا يُكفر بمجرد عمل بعض الطاعات التي يغفر معها الذنوب، فالمراد أنها تكفر الصغائر، وأما الكبائر: فلا بد فيها من توبة، كما بينا بالفتوى رقم: 98232.

وننبهك كذلك على أنه لو كان الكذب صغيرة لما جاز للمرء أن يقدم عليه بدعوى أنه يُكفر بالأذكار كسبحان الله وبحمده، ونحوها، فلا صغيرة مع إصرار، كما بينا بالفتوى رقم: 127740.

وهذا الفعل -أعني: الكذب- مع فعل مكفرات الذنوب، شبيه بإضمار المعصية مع نية التوبة، وذلك محرم، كما بينا بالفتوى رقم: 46873.
والمقصود بالوعيد في الحديث: من تكون عادته كذلك، لا من فعله المرة، والمرتين؛ قال النووي في شرح مسلم: قال بعض العلماء: وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه، فأما من يندر ذلك منه، فليس داخلا فيه. فهذا هو المختار في معنى الحديث.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني