الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من اتهم الأنبياء والصحابة بالفسق والضلال لأخطاء وقعوا فيها

السؤال

قلتم من عاب أحدا من الصحابة أنه كافر، تذكرت أن عمر ـ رضي الله عنه ـ وقت موت الرسول عليه الصلاة والسلام قال من يقول إن محمدا مات سيقطع رأسه، وهذا لا شك أنه ظلم، ولا يعذر بحزنه على رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن كلمته فسق ومعصية وضلال، أي أنه ضل وفسق في وقتها، وأنا والله ما أريد أن أعيبه لكن هذا الحق، والله يحب الحق، ولم أجد تبريرا لما قاله، لكن مع ذلك هو بشر ويخطئ، ويقول عليه الصلاة والسلام إن كل بني آدم خطاء، وأجد بنفسي أن الأنبياء أخطئوا فلا اجد مبررا لأخطائهم إلا أنهم ضلوا وفسقوا وعصوا الله في وقت خطئهم، ما حكم كلامي؟ أنا والله ما أريد استنقاص أحد لا من الأنبياء ولا الصحابة، لكن حتى أنتم قلتم كل معصية شعبة من شعب الكفر، وكل إنسان أخطأ، وعلى هذا كل إنسان صدر منه شيء من الكفر، هل اعتقادي هذا كفر؟ وعندما أصبحت معركة بين معاوية وعلي يجب الحكم بما أنزل الله، وحكم الله هو أن قتال المؤمن كفر، وهم قاتل بعضهم بعضا، ما حكم قولي هذا؟ وقلتم من يكفر الصحابة كافر، وقد أتى رجل إلى علي أظن وقت المعركة وقال له كافر فلم يكفره، قال إخواننا بغوا علينا، وما حكم من قتل صحابيا إذا كان سبب قتله سببا شخصيا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس كل من عاب الصحابة وسبّهم يعتبر كافرا، بل سب الصحابة له مراتب متفاوتة قد ذكرناها في عدة فتاوى منها الفتويين التالية أرقامهما: 2429، 36106.
وأما قولك عن عمر: (إنه ضل وفسق في وقتها) ثم زعمك أنك لا تريدين بذلك عيبه، فهذا من أعظم التناقض، فإن وصف الشخص بالضلال والفسق من أكبر العيب، وهذا ظاهر لكل عاقل لا يحتاج إلى دليل.
ولم يقل أحد من أهل السنة والجماعة إن توعد عمر ـ رضي الله عنه ـ لمن يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، كان فسقا وضلالا، وإنما كان سببه هول ما وقع في نفس عمر من هذا الحدث العظيم، فهو لا يكاد يصدقه، فلا يؤاخذ بما قال، وقد اعتذر لذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ حيث قال: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ. رواه البخاري. وفي مسند أحمد أنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُوتُ حَتَّى يُفْنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنَافِقِينَ.

وأطم مما وصفت به عمر ـ رضي الله عنه ـ ما وصفت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أنهم ضلوا وفسقوا، فهذا من الضلال الذي يجب التوبة منه، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر، وجائز عليهم الصغائر. ولكن جواز الصغائر عليهم لا يعني أنهم يقصدون مخالفة أمر الله، بل بحكم طبيعتهم البشرية، ومن كان هذا حاله لا يسوغ وصفه بالفسق والضلال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير، والحديث، والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف، والأئمة، والصحابة، والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 229870.
ولا تكفرين بهذا الاعتقاد لأنك تجهلين حقيقة الأمر، فتعذرين بجهلك، والظاهر أنك تعانين من شيء من الوسوسة.
وأما قتال الصحابة فقد ذكرناه في عدة فتاوى منها الفتوى رقم: 30222، والفتوى رقم: 187905.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني