الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم التسمية عند كل لقمة

السؤال

تعودت منذ الصغر على قول: "بسم الله" قبل كل لقمة من الطعام. فما حكم ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التسمية عند كل لقمة جائز؛ لأن الذكر يجوز في كل وقت، ولكنه لم يثبت في السنة ما يدل علي استحبابه، وإنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمي في بداية الطعام، ويأمر بذلك، وأمر من نسي التسمية في البداية أن يسمي إذا تذكر، فقد روي عن عائشة مرفوعًا: "إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره" أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال العيني في عمدة القارئ: باب في بيان التسمية على الطعام أي: القول: بسم الله في ابتداء الأكل، وأصرح ما ورد في صفة التسمية: ما رواه أبو داود، والترمذي من طريق أم كلثوم عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: إذا أكل أحدكم الطعام فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره.

والأمر بالتسمية عند الأكل محمول على الندب عند الجمهور، وحمله بعضهم على الوجوب لظاهر الأمر. جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: ... قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله، وفي نقل الإجماع على الاستحباب نظر، إلا إن أريد بالاستحباب أنه راجح الفعل، وإلا فقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك، وهو قضية القول بإيجاب الأكل باليمين؛ لأن صيغة الأمر بالجميع واحدة... اهـ.

وروي عن الإمام أحمد ما يدل على التسمية عند كل لقمة، قال السفاريني في شرح منظومة الآداب: يسمي الشارب عند كل ابتداء، ويحمد عند كل قطع.

ذكر السامري من أصحابنا: أن الشارب يسمي الله عند كل ابتداء، ويحمده عند كل قطع؛ لأنه ابتداء فعل كالأول، وإن كان الأول آكد.
وإنما خص هؤلاء الشارب إما لقلته فلا يشق التكرار، وإما لأن كل مرة مأمور بها، فاستحب فيها ما استحب في الأول، بخلاف الأكل، فإنه يطول فيشق التكرار، والقطع فيه أمر عادي، وقد يقال مثله في أكل كل لقمة، وهو ظاهر ما قدمنا عن الإمام أحمد.
قال إسحاق بن إبراهيم: تعشيت مرة أنا وأبو عبد الله وقرابة له، فجعلنا لا نتكلم، وهو يأكل ويقول: الحمد لله، وبسم الله. قال: أكل وحمد خير من أكل وصمت.

قال في الآداب الكبرى: ولم أجد عن الإمام أحمد -رضي الله عنه- خلاف هذه الرواية صريحًا، ولم أجدها في كلام أكثر الأصحاب.
والظاهر: أن الإمام -رضي الله عنه- اتبع الأثر في ذلك كما هو عادته، فقد روى الخلال بإسناده عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال لقوم أكلوا معه: "يا بني لا تدعوا أن تأدموا أول طعامكم بذكر الله، أكل وحمد خير من أكل وصمت". وكذا قال خالد بن معدان التابعي الثقة الفقيه الصالح: "أكل وحمد خير من أكل وصمت"، ثم قال في الآداب: وجه الأول يعني: الاكتفاء بالبسملة في الابتداء والحمدلة في الانتهاء ظاهر الأخبار، فإنه صلى الله عليه وسلم اقتصر فيها على التسمية أولا، والحمد أخيرا، ولو كان يعني تكرار ذلك مع كل لقمة مستحبا لنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا أو فعلا، ولو في حديث واحد، بل ظاهر ما نقل من حاله أنه لم يفعله، وهو صلى الله عليه وسلم الغاية في فعل الفضائل، وكذلك المعروف والمشهور من فعل الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم أجمعين-. والله أعلم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني