الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم شك الموهوب له في حل مال الواهب

السؤال

والدي حصل على إرث من والده وهو عبارة عن أرض.
المشكلة أنه يقال إن جدي الثالث أو جد جدي ظلم بناته الثلاث ولم يعطهن الحق الشرعي في الميراث، وأعطاها كلها لابنه الولد، فما الواجب فعله؟ علما أن هذا مجرد أقاويل ولا يوجد يقين بذلك، كما أننا لا نعرف حاليا هؤلاء البنات، وقطعا ماتوا من عشرات السنين، وكما أني حصلت على نصيبي من الأرض كهبة؛ لأن والدي على قيد الحياة، فلو افترضنا أن الأرض حرام فما حكم الهبة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فحيث لم يتحقق لديك أن جدك المذكور قد ظلم بناته، فلا يلزمك شيء تجاه نصيبك من الأرض؛ لأن من المتقرر فقها أن اليقين لا يزول بالشك، والأصل حمل تصرفات المسلمين على الصحة والجواز ما لم يقم ما يدل على فسادها وحرمتها.
وعلى تقدير أنك تحققت من ظلم جدك لبناته بإعطائه العقار لأولاده الذكور خاصة أو غلب على ظنك ذلك، فقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذا النوع من الهبات إذا مات واهبه قبل التعديل فإن الهبة تثبت لمن وهبت له.
جاء في المغني لابن قدامة: إذا فاضل بين ولده في العطايا, أو خص بعضهم بعطية, ثم مات قبل أن يسترده, ثبت ذلك للموهوب له ولزم, وليس لبقية الورثة الرجوع ، هذا المنصوص عن أحمد, في رواية محمد بن الحكم, والميموني, وهو اختيار الخلال, وصاحبه أبي بكر، وبه قال مالك, والشافعي, وأصحاب الرأي, وأكثر أهل العلم, وفيه رواية أخرى عن أحمد أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه، اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان، وهو قول عروة بن الزبير, وإسحاق، وقال أحمد: عروة قد روى الأحاديث الثلاثة، حديث عائشة, وحديث عمر, وحديث عثمان, وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم {يرد في حياة الرجل وبعد موته} وهذا قول إسحاق, إلا أنه قال: إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم, لا يسع أن ينتفع أحد مما أعطي دون إخوته وأخواته; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا بقوله: {لا تشهدني على جور}، والجور حرام لا يحل للفاعل فعله, ولا للمعطى تناوله، والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما, فيجب رده, ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد, أن يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد, ولم يكن علم به, ولا أعطاه شيئا, وكان ذلك بعد موت سعد, فروى سعيد بإسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده, وخرج إلى الشام, فمات بها, ثم ولد بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ إلى قيس بن سعد فقالا: إن سعدا قسم ماله, ولم يدر ما يكون, وإنا نرى أن ترد هذه القسمة، فقال قيس: لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد, ولكن نصيبي له، وهذا معنى الخبر، ووجه القول الأول قول أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لعائشة لما نحلها نحلا: وددت لو أنك كنت حزتيه، فدل على أنها لو كانت حازته لم يكن له الرجوع، وكذلك قول عمر: لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد، ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد. اهـ
فعلى قول أكثر أهل العلم لا يلزمك شيء لو تحققت من أن جدك ظلم بناته وآثر عليهن ولده جدك، وأما على القول الآخر فإن أمكنك التوصل إلى ورثة هؤلاء البنات وإعطاؤهم حقوقهم أو استحلالهم، وإلا أخرجت نسبة حقهن الشرعي من الأرض أو من قيمتها وتصدقت به في وجوه الخير. وانظر الفتوى رقم: 98235.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني