الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المسلم العاصي التائب تحضره ملائكة الرحمة عند الموت

السؤال

أما بعد أنا لدي سؤال: هل من رزقه الله حسن الخاتمة وهو كان عاصيا في حياته كلها إلا أن الله رزقه حسن الخاتمة في النهاية، هل يرى عند موته ملائكة العذاب أم ملائكة الرحمة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن رزقه الله حسن الخاتمة، وذلك بالتوبة الخالصة المقبولة عند الله تعالى، والبعد عما يغضبه والإقبال على ما يرضيه، موعود برؤية ملائكة الرحمة عند الموت تبشره بما أعد له من النعيم في الجنة، ولو كان قبل ذلك عاصيا، بل حتى لو كان كافرا وأسلم ثم مات قبل أن يعمل أي عمل صالح.

روى أحمد في مسنده أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ كان يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه: من هو ؟ فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش، قال الحصين: فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم ؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه فلما كان يوم أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة، قال: فبينما رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: والله إن هذا للأصيرم، وما جاء ؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه ما جاء به ؟ قالوا: ما جاء بك يا عمرو، أحدبا على قومك، أو رغبة في الإسلام ؟ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله، وأسلمت، ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله فقاتلت حتى أصابني ما أصابني، قال: ثم لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لمن أهل الجنة.
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

وجاء في صحيح مسلم: ـ في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال ـ: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء: فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم (حكما)، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة.

فهذان الحديثان وغيرهما يدلان على أن من حسنت خاتمته وتاب إلى الله تعالى كان من أهل الجنة، وما دام كذلك فإن ملائكة الرحمة هي التي تحضر موته وتبشره، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ {فصلت:30}

وفي حديث البراء بن عازب ـ مرفوعا ـ: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، (1) اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان .. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح ، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب " . قال: " فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها.. رواه أحمد وصححه الألباني

ومما تقدم يعلم أن المؤمن الصالح تحضره ملائكة الرحمة، والكافر العاصي تحضره ملائكة العذاب.

وبقي صنف ثالث وهو المسلم العاصي الذي لم يتب من ذنوبه، وقد تقدم الجواب عنه في الفتوى رقم: 64045.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني