الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مسائل الطلاق المعلق والتحريم

السؤال

تحية طيبة، وبعد:
السؤال يتعلق بالطلاق والسرد كما يلي:
منذ سنوات حصل خلاف بيني وبين زوجتي وخرجت من المنزل، ومن ثم حلفت أنها إن لم تعد بعد وقت محدد فإنها طالق (مرة) وتلفظت بالأمر وأقررته في نفسي، ولكن بعد تدخل صديق راجعت نفسي صراحة وقلت في قرارتي إني متراجع عن ذاك الشرط كي لا يقع الأمر، ومن ثم أخبرت زوجتي بعد تواجدها في المنزل أني تراجعت عن ذلك الشرط قبل أن تعود للمنزل، لعلمي أنها عنيدة ولن تلتزم بالموعد (لكني لم أدفع كفارة اليمين ولو بالنية).
ثانياً: كانت زوجتي مسافرة في إجازة وقد بقيت في الدوحة، ولكن بسب تدخل أهلها فقد أجلت الموعد دون إذن مني، فتوعدتها أنها إن لم تأت في الموعد المتفق عليه فهي طالق، لكن تحت تأثير هذا الأمر، رضخت وحاولت تحقيق طلبي، لكن لم توجد رحلات مسيرة إلى الدوحة وفق التاريخ الذي حددته، لكن لم تتأخر أي (زوجتي) في العودة للموعد الذي حدده أهلها، ولكني كنت راضيا عن الموعد، هذا بالإضافة أني راجعت نفسي وكلي ثقة أنني تحدثت برفضي الشرط، وكذلك تحدثت مع زوجتي واتفقنا أني أزلت الشرط، واليمين بالنية والتلفظ بالأمر كي لا يقع الطلاق، (لكن وأنا أكتب إليكم أذكر أني لم أخرج أي كفارة يمين).
ثالثاً: حصل من فترة قريبة من شهرين أقل أو أكثر أني رددت كمية من الأرز إلى والدتي وقد حلفت (كما يلي: أنه علي الحرام أنني لن آكل من ذاك الارز أبداً) لكن زوجتي قامت بطهي بعضه لأن أرزنا نفد من المنزل، واستأذنتني، وقالت: إني سأطبخ منه ولكني منعتها، فقالت: أخرج كفارة يمين وسوف أطبخ منه، وقد أكدت لي أنه ما دمت أني قبلت وهي عارفة بالأمر فيجوز إنه مجرد يمين، ويمكن إخراج كفارة يمين والمضي قدما، (وقد أخرجت كفارة اليمين).
هذا بالإضافة أني حلفت من زمن بعيد وخلال موقف معين بألا تتحدث على أهلي بسوء في غيابي، وقد ذكرتني بهذا من كم يوم ولكني أنا نفسي نسيت أصل هذا الموضوع، حيث مع تقدمنا في العمر وازدياد خبرتنا في الحياة، نعلم أن التزام الناس بذلك صعب وأعذرها (أي زوجتي هذا بالإضافة أني لا أذكر أني قد تفوهت بالأمر إلا في لحظة غضب ونزق)، فقد أصبحت عادة للناس ذكرهم بعضهم بسوء.
أعتذر عن الإطالة وأتمنى أن أكون نقلت الصورة بشكل واضح يعينكم على التفسير والنصح والإفتاء، بارك الله لكم هذا الجهد وأبدلكم كل الخير في الدنيا والاخرة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأكثر أهل العلم على أن الزوج إذا علّق طلاق زوجته على شرط، فإنه لا يملك التراجع عنه، وإذا تحقق شرطه طلقت زوجته، سواء قصد الزوج إيقاع الطلاق أو قصد مجرد التهديد أو التأكيد أو المنع، وهذا هو المفتى به عندنا، ويرى بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) أن الزوج إذا قصد إيقاع الطلاق عند حصول المعلق عليه فله أن يتراجع عن التعليق ولا شيء عليه، وإذا لم يقصد إيقاع الطلاق وإنما قصد بالتعليق التهديد أو التأكيد أو المنع فلا يقع الطلاق بحصول المعلق عليه، وإنما تلزمه كفارة يمين لحنثه، وانظر الفتوى رقم : 161221.
وعليه، فإن كنت علقت طلاق زوجتك على أمر ونويت إيقاع الطلاق عند حصوله، فعلى قول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يجوز لك الرجوع عن الشرط ولا تلزمك كفارة يمين.
وأما إن كنت علّقت طلاقها بقصد التهديد أو المنع أو نحو ذلك، فليس لك الرجوع عن الشرط، لكنّك إذا حنثت في يمينك لزمتك كفارة يمين على قول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ولم يقع طلاقك، وعلى مذهب الجمهور يقع طلاقك ولا تلزمك كفارة يمين.
وتفصيل ذلك أنّك في المرة الأولى التي علقت فيها طلاق زوجتك على عدم عودتها إلى البيت قبل وقت محدد، إن كنت نويت به إيقاع الطلاق، فتراجعك عن التعليق صحيح على مذهب ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ولا تلزمك كفارة يمين، وعلى قول الجمهور لا ينفعك التراجع ويقع طلاقك بعدم رجوع امرأتك في الوقت المحدد، وأما إن كنت نويت التهديد والتأكيد ولم تنو إيقاع الطلاق فعلى قول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ تلزمك بالحنث كفارة يمين، وعلى قول الجمهور يقع طلاقك بالحنث.
وأما المرة الثانية التي علّقت فيها طلاقها على عدم رجوعها من السفر في الموعد المحدد، فطالما أنّها حاولت الرجوع ولم تستطع فعند بعض العلماء لم تحنث في يمينك ولا يقع طلاقك ولا تلزمك كفارة.
قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ: وإن تلف المحلوف عليه قبل الإمكان، حنث لما ذكرنا، ويتخرج ألا يحنث؛ لأنه عجز بغير فعله، أشبه المكره. الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 210)
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فَاَلَّذِي يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْعَجْزِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ لِمَنْعٍ شَرْعِيٍّ أَوْ مَنْعٍ كَوْنِيٍّ قَدَرِيٍّ، كَمَا هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْعَجْزُ لِإِكْرَاهِ مُكْرَهٍ. إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 71)
فعلى هذا القول لم يقع طلاقك ولا تلزمك كفارة، أما على القول بحصول الحنث ولو مع تعذر المحلوف عليه، ففيه التفصيل السابق.
وأما حلفك بالحرام، فيختلف الحكم فيه باختلاف نيتك بالتحريم، فإن نويت بالتحريم الطلاق طلقت زوجتك إذا حنثت، وإن نويت الظهار وقع الظهار، وإن لم تنو الطلاق ولا الظهار لزمتك كفارة يمين إذا حنثت، وانظر الفتوى رقم : 14259.
والأولى أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني