الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصد الزواج لا يبيح شيئا من العلاقات الآثمة بين الأجنبيين

السؤال

جزاكم الله خير الجزاء على إرشادكم للشباب وإعانتهم على فهم أمور دينهم، وأعتذر عن طول مسألتي هذه، إلا أنني أستحلفكم بالله أن تتكرموا بوقتكم لقراءتها وإرشادي إلى ما يجب فعله، فعمر هذه المسألة تجاوز الآن خمس سنوات. أنا شاب عربي هاجرت إلى أمريكا قبل خمس سنوات للدراسة، قبل هجرتي بشهرين تعرفت على فتاة في الجامعة وضللني الشيطان بالحديث إليها بطريق غير شرعي، غير أن نيتي كانت هي مشروع الزواج بها لاحقا، غادرت بلدي إلى أمريكا، كما غادرت هي إلى أوروبا من أجل الدراسة، وبقينا على اتصال دائم، فتعلقنا ببعضنا أكثر فأكثر، وتعاهدنا على الزواج عند إتاحة الفرصة، استغل الشيطان تواصلنا الدائم ونيتنا في الزواج فصار حديثنا يتحول من الحشمة إلى الكلام العاطفي المعسول ـ أو بالأحرى المسموم ـ، ومع استخدامنا للإنترنت والكاميرا تكسرت حواجز الحشمة شيئا فشيئا حتى صرنا نتبادل القبل ونرى بعضنا البعض شبه عراة عبر الكاميرا، استمر الأمر هكذا لشهور طويلة ولم أجد منها ما يعينني على وقف هذا المنكر الذي كنت أقوم به بشهوة، وأنا كاره لنفسي بنفس الوقت، مع مرور الوقت قلت لها أن طريق علاقتنا انحرف كثيرا ولا يبدو أنه سيُتوج بالزواج، إذا استمر هكذا، فعرضت عليها أن نوقف كل التواصل بيننا ونقصره إلى أدنى الحدود عبر المكاتبة فقط حتى يسهل لنا الله طريقا للزواج بالحلال، لم تكن محاولاتي إقناعها بهذا أمرا سهلا ووجدتها متعلقة بي إلى حد مرضي، شعرت بسببه بذنب كبير بما سببته لها من تعلق عاطفي بي نتيجة تعاملي الحنون معها، اضطررت أن أستخدم أسلوبا عنيفا لأوقف هذه العلاقة، وقلت لها: إن ما قمنا به عمل باطل وإن كانت نيتنا الأولية صالحة، وقلت لها: إن وعدي لها بالزواج لم يكن في محله لعدم قدرتي على الجزم بالوفاء به نتيجة البعد وغموض المستقبل المهني، بعد أخذ ورد أقنعتها بأن نستغفر الله وأن نبقى على تواصل محدود جداً فقط وأن ندعو الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه، نجحت في هذا إلا أن الثمن كان غاليا بالنسبة لها، فقد مرضت وتأزمت نفسيا رغم كل ما حاولت أن أقنعها به في أن توكل أمرها لله وتسامحني على ما فتنتها به، وأنا سامحتها على ما فتنتني به، مرت شهور ونحن على تواصل محدود جدا جدا، وجاء يوم اكتشفَت هي أنها مريضة بمرض مزمن في الجهاز العصبي يسمى multiple sclerosis، واتصلت بي وأخبرتني، لم أرد أن أنهر اتصالها مواساة لها وحاولت أن أخفف عنها وقع صدمة المرض، ومنذ ذلك الوقت رجعنا إلى الكلام بشكل أكثر، وجعلت تطلب مني أن أقول لها كلاما عاطفيا لكي أخفف عليها، أجبت طلبها بعض المرات إلا أنني عدت وأنكرت عليها هذا، ورجعنا إلى اتصال محدود جدا جدا، إلا أنني لم أرد أن أقطع معها الصِّلة بشكل كلي خوفا عليها من مضاعفات مرضها. أنا صراحة الآن أعيش تأنيب الضمير وحائر في أمري معها، من جهة، أصبحت لدي قناعة أن علاقة زواج معها لن تكون ناجحة بسبب ما وصلنا إليه من مشادات وتجاوز لحدود الله، ومضاعفات مرضها، ومن جهة أخرى، لم أستطع أن أقطع الشك باليقين وأطلب منها أن تنسى الأمر كليا خوفا على صحتها، نحن الآن لا نتكلم إلا عبر رسائل كتابية ونادرا فقط، إلا أنها أخيرا قالت لي أنها تنوي زيارة أمريكا وطلبت لقائي، حاولتُ أن أقنعها بعدم السفر؛ لأنني أعرف أننا مازلنا متعلقين ببعضنا عاطفيا، وأن الشيطان لعنه الله يمكن أن يسقطنا في المحظور إذا التقينا، وخاصة أنها تسافر لوحدها وأنا هنا وحدي، أقنعتها أخيرا بعدم المجيء؛ لأن صحتها وأبويها يمكن أن لا يوافقا. سؤالي الآن هو: هل يجب علي أن أنهي هذا الأمر معها بشكل قطعي وأطلب عدم الكلام نهائيا معها مرة أخرى؟ أم أدع الزمن يُنسيها الأمر؟ ماذا يجب علي أن أفعل لأُكفِر على ما فتنتها به في كل هذه السنوات، أنا مدرك بأنها هي من بدأت المسار الذي دمر ما كان بيننا من حشمة، إلا أنني أُحمِّل نفسي المسؤولية؛ لأنني قبلت بما قامت به وزدت عليه، أستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه. أرشدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الإسلام ـ وهو الدين العظيم ـ قد جاء لإسعاد البشرية وليبعد عنها كل أسباب الشقاء، وقد أحسن من قال:

الدين جاء لسعادة البشر * ولانتفاء الشر عنهم والضرر

فكل أمر نافع قد شرعه * وكل ما يضرنا قد منعه

فمن أجل سد الذريعة ومنع الشر والفساد جاء الشرع بتحريم العلاقة بين الجنسين خارج إطار الزواج الصحيح، وسبق أن بينا ذلك بالفتوى رقم: 30003. وقصد الزواج في نهاية المطاف لا يبيح شيئا من هذه العلاقات الآثمة.

وما حصل منك مع هذه الفتاة من القبلات، ورؤية كل منكما الآخر شبه عار، ليس بالمستغرب؛ لأن الشيطان للإنسان بالمرصاد، فإنه يستدرج المرء إلى المعاصي استدراجا، فالواجب عليكما التوبة إلى الله، ولمعرفة شروط التوبة راجع الفتوى رقم: 29785، وقد أحسنت بتدارك الأمر وتنبيه هذه الفتاة إلى خطورة الأمر وتحديدك العلاقة معها، ولكن الواجب عليك قطع العلاقة معها تماما، ومجرد محادثتها باب للفتنة، ومن هنا منع الفقهاء الحديث إلى الأجنبية الشابة وشددوا في ذلك كما بينا في الفتوى رقم: 21582، والسلامة لا يعدلها شيء. وإذا أردت إنقاذها مما هي فيه من مرض من خلال الحديث معها، فقد تهلك بذلك نفسك، بل وتهلكها هي، وهي التي قد جنت على نفسها حين رضيت بهذه العلاقة، فأنت لم تكرهها عليها حتى تؤاخذ بذلك، بغض النظر عن كونك البادي أو كونها البادية، فلا تلتفت إلى مثل هذه الخواطر والهواجس التي يلقيها الشيطان في قلبك ليسوغ لك العلاقة معها.

وبعد هذا كله، فإن تابت هذه الفتاة واستقامت على الجادة وحسنت سيرتها، ورغبت في الزواج منها فذلك خير، فالزواج من أفضل ما يعالج به العشق، روى ابن ماجه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. وإن لم يتيسر الزواج فليذهب كل منكما إلى سبيله، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 9360.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني