الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم كثرة السؤال عن الغرائب وعما لم يقع

السؤال

هل إذا قلت لشخص مثلا بطريقة غير مباشرة، أقصد ليس التواصل عن طريق اللسان بل عن طريقة التخاطر، مثلا لو اتفقت مع شخص في مباراة كرة قدم تلعب على مبلغ مالي وجوائز أن أتفق مع الفريقين، وأنا أقول لفريق معين أن يخسر مع أنه مثلا يخسر مبالغ طائلة، ويضيع مجهوده سدى، لكي يفوز فريق آخر، وهو وافق، ما يترتب علي؟ ليس المهم السؤال المهم هو المبدأ، أقصد مبدأ أن تتفق بهذه الطريقة، حتى عن طريق توارد الخواطر لهذه الغاية، هل يترتب علي شيء؟ علما أنهم لهم عقول واختاروا بها، ويستطيعون أن يرفضوا، أتمنى أن تكونوا فهمتم مبدأ السؤال.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنك تسأل أسئلة افتراضية عن أشياء لم تقع بل ربما لا يمكن حصولها وقد بينا عدم صحة ما يقال عن التخاطر الذهني والتخاطب عن طريق الأرواح بالفتويين التالية أرقامهما: 181569، 130567.

وعليك أن تشتغل بالعلم الشرعي وتدرس ما تيسر من نصوص الوحي ومؤلفات أهل العلم فيه، فهذا أفضل لك من الاشتغال بالافتراضات والاحتمالات، وقد ذم السلف كثرة السؤال عن الأغلوطات، وعن الغرائب، وعما لم يقع، قال السفاريني في شرح منظومة الآداب : وقال البيهقي في كتاب المدخل: كره السلف السؤال عن المسألة قبل كونها إذا لم يكن فيها كتاب ولا سنة, وإنما سأل بالاجتهاد؛ لأنه إنما يباح للضرورة، ولا ضرورة قبل الواقعة، وقد يتغير اجتهاده عندها، واحتج بحديث: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}، وقال طاووس عن عمر: لا يحل لكم أن تسألوا عما لم يكن. وقال ابن وهب: أخبرني الفتح بن بكر، عن عبد الرحمن بن شريح، أن عمر قال: وإياكم وهذه العضل، فإنها إذا نزلت بعث الله لها من يقيمها، أو يفسرها، وروي عن أبي بن كعب نحو ذلك، وقال ابن مهدي: عن حماد بن زيد، عن الصلت بن راشد، قال: سألت طاووسًا عن شيء، فقال: أكان هذا؟ قلت: نعم، فحلفني فحلفت له، فقال: إن أصحابنا حدثونا عن معاذ أنه قال: "أيها الناس، لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، فيذهب بكم ههنا وههنا، وإنكم إن لم تعجلوا لم ينفك المسلمون أن يكون فيهم من إذا سئل سدد, أو قال وفق، وروى أسامة بن زيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا الكلام. اهـ

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: إنما كانوا ـ رضي الله عنهم ـ يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم. اهـ.

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: كان كثير من الصحابة والتابعين يكرهون السؤال عن الحوادث قبل وقوعها، ولا يجيبون عن ذلك... فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك، لا إلى غيره، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة... اهـ.

وقال الشاطبي في الموافقات: الإكثار من الأسئلة مذموم، والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ـ ثم ذكر طائفة حسنة من أدلة ذلك ثم قال: والحاصل منها أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه...

وراجع الفتويين رقم: 200003، ورقم: 196487.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني