الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قطع المنافسة وإفراد العمل لله أكمل وأدعى للإخلاص

السؤال

عندما أرغب في أن أتغير في صفة ما كالاجتهاد في الدراسة أو الالتزام في المواعيد للأفضل، فإني أفكر في شخص أحبه وأحترمه متميز في هذه الصفة، وأقرر أن أتحداه، وأنافسه؛ لأتفوق عليه فيها، وذلك لتشجيع نفسي، وإن كان شخصا قريبا -كأخي- أخبره بذلك، وأطلب منه أن يعترف لي بهذا التفوق عليه أو التغير في هذه الصفة إن شعر حقا بذلك، وإنما أطلب منه ذلك لتشجيع نفسي. فهل يذهب هذا أجر النية لله، ونصرة الدين،
ورغبتي في أن أثبت لصديقة محببة لي أني تغيرت، بل وتفوقت عليها في صفة ما كنوع من المنافسة؟ مع العلم أني أشجعها على التغير، وأحب الخير لها، ونتفق على مثل هذه الأمور لنصرة الدين.
أحب المنافسة والتحدي، لكني أخشى أن يضيع هذا أجر النية لله والإخلاص، ولكني أيضا عندما أقرر عدم التنافس وأكتفي بأن أحاول التغير مع نفسي، فإني وإن كنت أحاول فعزيمتي تفتر سريعا.
إني كثيرا ما أشعر أني أضيع إخلاص النية عموما، ولا أعرف كيف أجعلها خالصة لله؟
شكرا جزيلا لكم، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يرزقك علو الهمة، والتفوق في الخيرات.

والاجتهادُ في الدراسة بنية صالحة عبادة، يُثاب عليها المؤمن؛ كما بينا بالفتويين: 188951، 122837.

والتزام المواعيد من صفات المؤمن، وخلفها من صفات المنافقين، وبالتالي؛ فلا بأس عليك في منافسة غيرك في ذلك، بل هذه منزلة عظيمة، وهي التنافس في الخير، وفيما يقرب إلى الله تعالى، قال النووي في رياض الصالحين: باب التنافس في أمور الآخرة ...... قَالَ الله تَعَالَى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26].

وقال الحسن -رحمه الله-: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

ومع هذا؛ فالأولى والأكمل: أن يخلو القلب من المقارنة، والمنافسة مع الغير، فتكون الحركة للعمل لوجه الله خالصة، لا يشوبها منافسة أحد فهذه حال الكُمَّل، كما بينا بالفتوى رقم: 245452.

وعلى هذا؛ فأجرك باق -إن شاء الله-، والأكمل لك ما ذكرنا.

ومن بركات المسلك الذي ذكرناه: إخفاء الأعمال، وهو الأصل في النوافل؛ قال ابن العربي في أحكام القرآن: الأصل في الأعمال الفرضية: الجهر، والأصل في الأعمال النفلية: السر، وذلك لما يتطرق إلى النفل من الرياء والتظاهر بها في الدنيا، والتفاخر على الأصحاب بالأعمال، وجبلت قلوب الخلق بالميل إلى أهل الطاعة. اهـ.

وهو أعون على الإخلاص -الذي سألت عن طريق تحصيله-، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل. رواه الخطيب في تاريخه، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وصححه الألباني.

قال الخريبي: كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح، لا تعلم به زوجته ولا غيرها.

وراجعي أيضًا في تحصيل الإخلاص الفتوى رقم: 52210.

وأنتِ أدرى بنفسك، وقد يكون المفضول في حقك أنفع من الفاضل، ولكن اجتهدي أن يكون لك شيء -ولو يسيرًا- من عمل السر.

وفي الجملة: فلك الأجر -إن شاء الله-، ولكن قطع المنافسة وإفراد العمل لله أكمل، وأدعى للإخلاص، كما ذكرنا لك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني