الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين، وحكم مخاطبة الراقي للجني

السؤال

أنا شخص أقوم بالرقية، وتعلمت أنه إذا كانت هنالك آية تتكلم عن العين والحسد وظهرت أعراض على المريض فإنه قد يكون مصابا بعين أو حسد، وإذا نطق الجني وقرأت آيات معينة مثل: "قال اخسئوا فيها" فإن الجني يصمت، وكذلك إذا شعر المريض أن الجن في رأسه وقرأت: "ونزلناه تنزيلا" فإنه ينزل الشعور إلى القدمين، وآيات العذاب يصرخ الجن ويريد أن يخرج، أنا أعرف أنه لم يرد في السنة ذلك، ولكن من فهمي أن الرقى جائزة، وهي مجال الخبرة والعلم، وأنها ليست شركا، خبرتي كراق فإنها تؤثر، فأنا خائف من البدعة، أرشدوني هل يصح ما أقوم به أم أنها بدعة؟ وما كفارتها إن علمتها لكثير من الرقاة؟ وهل تكرار آيات معينة اعتمادا على فتوى ابن جبرين وإعطائها للمريض جائز أم هي بدعة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه تشرع قراءة أي سورة أو آيات من القرآن والدعاء والرقية بها، لما في الحديث: من قرأ القرآن فليسأل الله به. رواه الترمذي، وصححه الألباني. وفي صحيح ابن حبان عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال: عالجيها بكتاب الله. وصححه الألباني.

فاذا ظهرت عليه أعراض الإصابة بالعين فتشرع رقيته منها، بل إن الرقية تشرع لغير المصاب، وأما قراءة بعض السور والآيات للرقية ولإخراج الجني فلا مانع منه، وليس من البدعة، ولذا يشرع إرشاد الناس إليه، فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري أنه رقى بالفاتحة قبل العلم بأنها رقية، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: الحمد لله رب العالمين، فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة، فقال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقتسموا واضربوا لي معكم سهما.

وفي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله؛ كيف ترى في ذلك؟ قال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. وقال ابن القيم في كتاب الطب النبوي: قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي ـ أحمد بن حنبل ـ يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون، قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المروزي أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله؛ تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين؟ فقال له: يجيء بجام واسع وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد، ويذكر عن عكرمة عن ابن عباس قال: مر عيسى عليه السلام على بقرة وقد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله، ادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، فقال: يا خلاق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس خلصها، قال: فرمت بولدها، فإذا هي قائمة تشمه، قال: فإذا عسر على المرأة ولدها، فاكتبه.

وقد شاع عند بعض الرقاة أن القراءة للآيات المشتملة على ذكر النار تحرق الجن، وسئل العلامة الشيخ ابن عثيمين ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيراً. فأجاب ـ رحمه الله تعالى ـ: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلاً الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) ، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة..... اهـ
ولا حرج على الراقي في أن يخاطب الجني ، فقد روى ابن ماجه عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابن أبي العاص ، قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما جاء بك، قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، قال ذاك شيطان، ادنه، فدنوت منه فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال: اخرج عدو الله، ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: الحق بعملك. والحديث صححه الألباني ـ رحمه الله. وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بالمدينة جنا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام. الحديث.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني