الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة خلف من يلحن في الفاتحة بما يغير المعنى

السؤال

كنت -ولله الحمد- قد واظبت على الصلاة في المسجد لما يقارب السنتين، وهذا المسجد هو الأقرب للبيت، وبأمر الله يعينني على المواظبة على صلاة الجماعة، وإمكانية تغيير هذا المسجد ممكنة في بعض الأحيان، أما على الدوام فصعب عليَّ لا سيَّما في صلاة الفجر، وفي خلال هذه الفترة كنت شيئًا فشيئًا أتعجب من الحال في هذا المسجد، وكان مصدر العجب من بعض كبار السن من حيث عدم الانضباط في أقوالهم وأفعالهم من جهة، ومن أمر الإمامة في المسجد من جهة أخرى؛ أما عدم الانضباط: فيتمثل في ارتفاع الأصوات بالمزاح والتلفظ بكلمات لا تليق حتى خارج بيوت الله، والأدهى استمرارهم في أفعالهم هذه وقت الأذان ووقت الإقامة وما بينهما، بل أحيانًا أثناء الصلاة إذا كانوا لم يُحرِموا بعد، ولا يأبهون لأحدٍ إذا أنكر عليهم، مما يجعلني كثيرًا من الأحيان بدلا من أن أشعر بالخشوع والسكينة داخل المسجد أشعر بالاستياء الشديد، وأحيانا الانشغال أثناء الصلاة بسبب هذه الأمور، وكان يضيق صدري جدًا من حال أهل المسجد.
وأما أمر الإمامة: ففيه كلامٌ كثيرٌ أَذكر منه ما يتعلق بفتواي: فبما أن المسجد ليس له إمام راتب تابع لوزارة الأوقاف، فيتناوب على الإمامة بعض الأشخاص، ففي الصلاة السِّرية غالبًا يؤمّ الناس أحد اثنين من كبار السن، وقد سمعت قراءتهما للفاتحة أكثر من مرة جهرًا، وسأتكلم فقط عمَّا أخشى أنه قد يُبطل الصلاة لتعلقه بتلاوة الفاتحة، فأحد الرَّجُلين يبدل حرف الذال من كلمة (الَّذين) بحرف الزاي فيلفظها (الَّزين) فيغير حرفًا بحرفٍ غيره، والأخَر يختم صوت المد العارض للسكون بحرف الهمزة قبل نطق الحرف الأخير من الكلمة كأن يقول بدل (الرحيــــم) (الرحيـــــئِم)، وبدل (العالميـــــن) (العالميـــــئِن)، وأما في المغرب والعشاء فيؤمّ الناس رَجل أفضل حالا في القراءة، وليس عنده في الفاتحة إلا كلمة (المستقيم) فإما يلفظها (المسطقيم) أو (المصطقيم) فيُبدل التاء بالطاء أو يُبدل السين والتاء بالصاد والطاء، وهذا الرجل نُبِّهَ على أمور تخص التلاوة في غير الفاتحة، وكانت ردة فعله فظة غليظة، وأما من يؤمّ الناس في الفجر فخطؤه الذى أخشى أنه قد يُبطل الصلاة -ليس دائمًا ولكنه غالبًا- فيقرأ كلمة (إيَّاك) بغير التشديد فيلفظها (إياك) فيسقط حرفًا من التلاوة ويحيل المعنى، وأيضًا هذا الرجل نُبِّهَ على أمور تخص التلاوة في الفاتحة وغيرها من أُناسٍ كُثر وهو الآخَر ردة فعله كانت فظة وغليظة جدًا.
وكان كل ما ذكرت أسبابًا لابتعادي عن الصلاة في المسجد، ولزمت الصلاة في البيت، ولكنِّى أعلم أنه لا سبيل إلا الصلاة في المسجد، فلذلك والآن بعد هذا التفصيل الَّذى بين أيديكم أريد منكم -مشكورين- التفصيل في أمر هؤلاء الرجال الَّذين يؤمُّون الناس في الصلاة كل على حدة، فهل تصح الصلاة خلفهم؟ وما الواجب عليّ تجاه هؤلاء الناس من كبار السن -الَّذين لا هم يُرحِّبون بالنصح ولا هم يكفُّون عن أفعالهم-؟ وما الواجب عليّ لأغلِب النفس والشيطان على عدم ترك المسجد بسبب أحوال هؤلاء؟
يرجى توثيق الفتوى وعزوها إلى مصادر يُرجع إليها، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب تجاه من لا يراعون حرمة المسجد أن ينصحوا برفق ولين، ويبين لهم أن المسجد أعد للعبادة، وأن له آدابًا ينبغي لرواده التحلى بها، وأن ما يقومون به من رفع الصوت بالمزاح وإطلاق الكلام غير اللائق ينافي تلك الآداب بالكلية، فيجب أن يصان المسجد عنه، قال في كشاف القناع: وأن يصان (أي: المسجد) عن لغط، وخصومة، وكثرة حديث لاغٍ، ورفع صوت بمكروه. اهـ.

وأما من يؤمون في المسجد المذكور ويلحنون: فينبغي أن تصحح لهم الأخطاء التي يقعون فيها، ويبين لهم أن عليهم تعلم القراءة الصحيحة حتى لا تبطل صلاتهم؛ لأن جمهور العلماء على أن اللحن الجلي الذي يغير المعنى في الفاتحة مبطل للصلاة.

وضابط ذلك وما يعفى عنه منه: قد أوضحناه في الفتوى رقم: 113626.

وبمراجعتها تعلم أن كل الأمور المذكورة في السؤال مبطلة للصلاة عند الجمهور؛ لأنها تخل بالمعنى، وأن من أهل العلم من سهل في الحروف المتقاربة المخرج، وقال بصحة صلاة من يخلط بينها كمن ينطق الضاد ظاء، أو التاء طاء، أو الذال زايا، أو العكس؛ لمشقة الاحتراز وعموم البلوى، ولكن الجمهور على البطلان.

وعليه؛ فإذا نصحت هؤلاء الأئمة الذين يلحنون لحنًا يحيل المعنى، وبينت لهم، ولم يفد ذلك، فإن الأولى لك أن تتحول عن ذلك المسجد إلى مسجد آخر تصلي فيه صلاة تطمئن إلى صحتها، فإن لم يمكن ذلك ودار الأمر بين الصلاة في البيت أو الاقتداء بمن يلحن لحنًا مبطلا للصلاة، فإن الصلاة في البيت أولى؛ لأنه لا خلاف في صحتها ـ إلا قولًا يكاد يكون شاذًّا ببطلانها إذا لم يوجد عذر ـ، بينما الصلاة خلف من يلحن في الفاتحة مختلف في صحتها، وتدرك ثواب الجماعة إذا صليت جماعة في بيتك أيضًا؛ إذ إن تحصيل ثواب الجماعة ليس خاصًّا بالمسجد عند جمع من أهل العلم.

وانظر الفتوى رقم: 258460، والفتوى رقم: 260557، والفتوى رقم: 54052.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني