الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حجة القائلين بوجوب إزالة النجاسة عن البدن قبل الغسل وغسل المستحاضة الدم عن فرجها

السؤال

حالتان اشترط كثير من الفقهاء إزالة النجاسة فيهما، فما هي الأسباب؟
1- إزالة النجاسة من على البدن قبل غسل الجنابة، رغم حديث أم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها-، وفيه: (وغسل فرجه وما أصابه من الأذى...) الحديث. فكان هذا من أعمال الغسل، وليس قبله، ووارد أو في الغالب أن يكون على فرج من يريد الغسل نجاسة، مثل: المذي (وقد عرفت ترجيح فضيلتكم لعدم وجوب هذا الشرط، ولكن أريد معرفة حجة من قال بالقول الآخر)
2- إزالة الأذى من على فرج المستحاضة أو ما يقاس على حكمها كصاحب السلس، مع أن في حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت). ولم يشترط إزالة الدم قبل الوضوء. وشكرا جزيلا لفضيلتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فأما المسألة الأولى، وهي: وجوب إزالة النجاسة عن البدن قبل الغسل: فإن القائلين بالوجوب عللوا بأن النجاسة إذا بقيت على البدن فإن الماء الذي تزول به النجاسة أثناء الغسل ينفصل متغيرًا، فلا يحصل به التطهير لمحل النجاسة، ومن شرط الطهارة أن يكون الماء طهورًا، قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل في توجيه كلام ابن الحاجب الموجب لإزالة النجاسة قبل الغسل:
وَكَانَ شَيْخُنَا -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَقٌّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَالِفَ فِيهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ الْعُضْوِ مُطْلَقًا، وَلَوْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِحُصُولِ الطَّهَارَةِ لِهَذَا الْمُتَطَهِّرِ، وَعَلَى هَذَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ. انْتَهَى.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ عَنْ شَيْخِهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ طَهَارَةِ الْحَدَثِ. فَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ حُصُولِهِمَا مَعًا، وَفِي الْجُزُولِيِّ الْكَبِيرِ: وَاخْتُلِفَ إذَا غَسَلَ مَوَاضِعَ الْأَذَى بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَزَوَالِ النَّجَاسَةِ غُسْلًا وَاحِدًا، فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَوْ شَرَّكَ بَيْنَهُمَا الْمَازِرِيُّ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. اهـ.
وهناك علة أخرى ذكرها العلماء، وهي: أن النجاسة لو زالت بماء سال عليها من عضو آخر غير العضو المتنجس فإنها -أي: النجاسة- تكون قد زالت بماء مستعمل في طهارة حدث، وهذا لا يزول به حكم النجاسة، قال النووي في المجموع:
وَلَوْ صَبَّ الْجُنُبُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَى ظَهْرِهِ نَجَاسَةٌ، فَنَزَلَ عَلَيْهَا فَأَزَالَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، طَهَّرَ الْمَحَلَّ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْجَنَابَةِ؟ قَالَ الرُّويَانِيُّ: فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ لَا يَصْلُحُ لِلنَّجَسِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَفِي طَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَسِ هُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَائِمٌ عَلَى الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ. وَالثَّانِي: لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَاءَ فِي حَالَةِ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ مستعملا للحاجة إلى ذلك في الطاهرة الْوَاحِدَةِ، وَهَذِهِ طَهَارَةٌ أُخْرَى، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَطْهِيرُ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ. اهـ.

وأما غسل المستحاضة الدم عن فرجها: فهذا جاء به الحديث؛ قال الشيخ/ ابن عثيمين في شرح الزاد:
قوله: «تغسل فرجها»، أي: بالماء فلا يكفي تنظيفُه بالمناديل وشبهها، بل لا بُدَّ من غسله حتى يزولَ الدَّم .... والدَّليل على أنها تغسل فَرْجَها: قوله صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: «اغسلي عنك الدَّمَ وصَلِّي» ، فهذا يدلُّ على أنه لا بُدَّ من غسله. اهـ.
وليس هذا لأجل اشتراط صحة الوضوء، وإنما من باب الاستنجاء، كما قال صاحب كشاف القناع: ( تَغْسِلُ فَرْجَهَا ) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ. اهـ.

وتجدد الغسل أيضًا إذا زالت الخرقة وظهر الدم، قال النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع: وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ:
1- إنْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ، وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ، نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَثُرَتْ وَأَمْكَنَ تَقْلِيلُهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا، فَوَجَبَ التَّجْدِيدُ، كَنَجَاسَةِ النَّجْوِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْأَلْيَيْنِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ.
2- وان لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدَّمُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ؛ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ: وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا.. اهـ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني