الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث: (مَنْ رأى سلطانًا جائرًا مستحلًّا لحرم الله ناكثًا لعهد الله...)

السؤال

ما صحة حديث: (مَنْ رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًّا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقًا على الله أن يدخله مدخله)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم نجد هذا الحديث في ما اطلعنا عليه وبحثنا فيه من كتب السنة، وهو مشهور في كتب الأدب والخطب، وقد ذكره الطبري في تاريخه ضمن خطبة للحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ عندما أحس بغدر أهل العراق حيث قال: قال أبو مخنف: عن عقبة بن أبي العيزار، إن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بن يزيد بالبيضة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله" ...اهـ.

وكذا ذكره ابن الأثير في (الكامل في التاريخ)، والنويري في (نهاية الأرب). وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحيى، قال الذهبي: أخباري تالف لا يوثق به. تركه أبو حاتم وَغيره. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن مَعِين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن عَدِي: شيعي محترق صاحب أخبارهم (لسان الميزان 6 / 430).

ثم إن حصر التغيير بالفعل والقول فيه تفويت لمرتبة معتبرة من مراتب إنكار المنكر عند العجز عن الفعل والقول، وهي مرتبة الإنكار بالقلب، كما قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

فكره القلب وإنكاره يعفي صاحبه من المسئولية عند العجز عن غيره، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.

وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-:إنه يستعمل عليكم أمراء؛ فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم. قال السيوطي في (الديباج): أي: هو المؤاخذ المعاقب. اهـ. وقال ابن عبد البر في (التمهيد): من ضعُف لزمه التغيير بقلبه، فإن لم يغير بقلبه فقد رضي وتابع. اهـ.

وقال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرض على كل مسلم، لا يسقط عن أحد في حال من الأحوال. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني