الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع المرابحة وتوكيل المشتري المأمور بالشراء ببيع السيارة التي اشتراها منه

السؤال

أخذت قرضًا من شخص لأجلٍ، والطريقة أنه اشترى لي سيارة من شخص آخر بمبلغ معين، وباعها لي بزيادة تصل إلى 100 بالمائة سنوياً؛ لحاجتي الماسة للمال، ثم باعها بسعر أقل من السوق، وأعطاني المال، علماً أنه -أحياناً- يبيعها لنفس الشخص الذي اشتراها منه أو لتاجر آخر، وهم كلهم يعملون بهذه الطريقة إذا أراد أحد مالاً لأجلٍ، فهل هذا حلال -حيث إنهم يحتالون بهذه الطريقة على الربا-؟
والسؤال الثاني: إذا انخفضت العملة، وأردت سداد الدين، فهل له الحق بفرق العملة عما كان؟
والسؤال الثالث: إذا كان المبلغ قرضاً حسنًا، وأردت سداد الدين بعد انخفاض العملة، فهل أدفع المبلغ بزيادة أم كما هو؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه المعاملة التي ذكرت في السؤال، إذا سلمت من التواطؤ والتحايل على الربا، تكون من صور المرابحة الجائزة، وقد بينا قبلُ شروط وضوابط بيع المرابحة في الفتوى: 119587، والفتوى: 119462، وإحالاتهما.

لكن وردت في ثنايا كلامك بعض الأمور لا بد من توضيحها:

- ذكرت أن من يبيع السيارة هو المأمور بشرائها - حسب ظاهر كلامك - ولم تذكر أنه قد باعها لك ووكلته أنت ببيعها، فإن كان الأمر كذلك؛ فإن المعاملة باطلة، ولم تقع بين الآمر بالشراء والمأمور به صفقة على الحقيقة، وإنما الذي حصل أن المأمور بالشراء اشترى سيارة لنفسه وباعها، وعليه؛ فلا بد لصحة المعاملة من أن يبيعك السيارة بيعًا حقيقيًّا، وتدخل في ملكك، ثم إن شئت بعد ذلك وكلته في بيعها أو بعتها أنت بنفسك.

- ذكرت أن المأمور بالشراء أحيانًا يبيعها لنفس الشخص الذي اشتراها منه أو لتاجر آخر، وهذا إن سلم من التواطؤ والاتفاق المسبق، أو ما يدل على ذلك، كبيعها لمن اشتريت منه في نفس المجلس؛ فلا حرج فيه، وإلا، فلا يجوز؛ جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل ما نصه: وقولي عن اشترائها منه احترازًا مما إذا باعه المشتري لثالث ثم اشتراه البائع الأول من الثالث، فيجوز، إلا أن يكون الثالث ابتاعه من المشتري الأول بالمجلس بعد القبض، ثم ابتاعه الأول منه بعد في موضع واحد، فيمنع؛ لاتهامهما بجعل الثالث محللاً لإبعاد التهمة عن أنفسهما، ولا تبعد عنهما به لإمكان أن يقول البائع للثالث: اشتر هذه السلعة التي بعتها له بخمسة عشر لأجل بعشرة نقدًا، وأنا آخذها منك بها أو بربح دينار، فتدفع إليه العشرة التي تأخذها مني، ولا تدفع شيئاً من عندك. فيؤول الأمر إلى رجوع السلعة إلى الذي باعها أولاً، ودفعه عشرة نقدًا يأخذ منه بدلها خمسة عشر عند الأجل، وأعطى الثالث دينارًا لإعانته على الربا؛ قاله ابن رشد في شرح سماع ابن القاسم مالكًا -رضي الله تعالى عنهما- جوابه بلا خير فيه. اهـ.

- ذكرت أن "التجار كلهم يعملون بهذه الطريقة إذا أراد أحد مالاً لأجلٍ، فهل هذا حلال -حيث إنهم يحتالون بهذه الطريقة على الربا-؟"، فإن كان المراد أن التجار يعملون بالطريقة المذكورة مع من يريد منهم المال لأجلٍ؛ حيث يشترون له سلعة ويبيعونها له بزيادة، فهذا لا إشكال فيه على ما نفتي به، وهو عين المرابحة الصحيحة إن توافرات فيه الشروط المذكورة في الفتويين المحال عليهما قبلُ.

وإن كان المقصود أن ثمة تواطؤ وتمالؤ بين التجار على تلك الكيفية للتحايل على الربا، وأن البيع والشراء فيها غير حقيقيين، بل صوريين، فهذا لا يجوز؛ قال شيخ الإسلام: والثلاثية -أي: الحيلة- مثل أن يدخلا بينهما محللًا للربا، يشتري منه السلعة آكل الربا، ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل، ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل. اهـ. وانظر الفتويين: 47217، 131042.

وبالنسبة للسؤال الثاني والثالث، فجوابهما واحد، وهو: أنه لا حق للدائن في فرق العملة ما دامت العملة التي تمت بها المعاملة معمولًا بها ولم تبطل؛ إذ الواجب هو سداد الدين بالعملة التي عمرت بها الذمة، مع العلم أنه يجوز عند السداد أن يتفق الطرفان على سداد الدين بما يساوي قيمته بعملة أخرى، بشرط أن يكون ذلك بسعر الصرف يوم السداد، وأن لا يفترقا وبينهما شيء، وهذا من باب الصرف الذي يشترط فيه التقابض، وانظر الفتاوى التالية: 30052، 29033، 114348.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني