الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تزين غير المتزوجة بالمكياج في دارها

السؤال

أريد أن أعرف حكم المكياج هل هو حرام لغير المتزوجات؛ حيث إن والدي، وأهلي يقولون إنه عيب وحرام، لا أؤمن بمبدأ العيب، وأريد أن أعرف هل هو حرام؟
حيث إني أريد وضع المكياج في المنزل فقط، ولأجل التزين أمام نفسي، وأمام البنات، لكن أهلي يقولون إن الذي تضعه تريد الزواج، وليس هذا قصدي.
وإذا كان حلالا أريد حجة أواجه بها أهلي.
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا مانع من وضع المكياج للغرض المذكور، وليس للتبرج.

فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا مانع من تزين المرأة بوضع المكياج على وجهها، والكحل، وإصلاح شعر رأسها على وجه لا تشبه فيه بالكافرات، ويشترط -أيضا- أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا محارم لها .. اهــ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين ـــ رحمه الله ــ عن حكم حمرة الشفاه للمرأة فأجاب: تحمير الشفاه لا بأس به؛ لأن الأصل الحل حتى يتبين التحريم، وهذا التحمير ليس بشيء ثابت حتى نقول إنه من جنس الوشم، حيث لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلته، فقد ثبت عنه أنه: لعن الواشمة، والمستوشمة؛ لأنها تصبغ بأصباغ، والوشم غرز شيء من الألوان تحت الجلد، وغالبا ما تكون سوداء، وبعضها نقوش، أو على شكل أشجار، ويكتب به أحيانا اسم المرأة، وهو محرم، ومن كبائر الذنوب، ولكن التحمير إن تبين أنه مضر للشفة ينشفها، ويزيل عنها الرطوبة، والدهنية، فهو في مثل هذه الحال ينهى عنه، وقد أخبرت أنه ربما تنفطر الشفاه منه، فإذا ثبت هذا، فإن الإنسان منهي عن فعل ما يضر به. انتهى.

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية إلى أن تحلية البنات بالحلي، والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة. وأما المالكية فقد نقل الحطاب عن ابن القطان قوله: ولها ( أي للمرأة الخالية من الأزواج ) أن تتزين للناظرين ( أي للخطاب)، بل لو قيل بأنه مندوب ما كان بعيدا، ولو قيل إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد. انتهى.

وقال ابن مفلح من الحنابلة: قد روى الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الاستفتاء في معرفة استعمال الحناء، عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعا: يا معشر النساء اختضبن، فإن المرأة تختضب لزوجها، وإن الأيم تختضب تعرض للرزق من الله عز وجل. انتهى. وقد ورد في صحيح مسلم من حديث سبيعة الأسلمية: كانت تحت سعد بن خولة، وهو في بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رضي الله عنه- رجل من بني عبد الدار، فقال لها: مالي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح. إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي. انتهى مختصرا.

وراجعي للمزيد في خصوص المكياج الفتاوى ذوات الأرقام: 231988، 4052، 17394، 20766.

ومع ما ذكرناه من الإباحة، فإنه لا ينبغي لك أن تغضبي والديك، فحاولي تبيين الحكم لهما برفق، لتجمعي بين ما أردته من التزين، وبين الحفاظ على رضا والديك. فإن أصرا على منعك من ذلك، فتجب طاعتهما إن كان لهما غرض صحيح في ذلك، ولم يكن عليك ضرر، أو مشقة في طاعتهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره، وجب، وإلا فلا. انتهى.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: ... وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه، يتعين على الولد امتثال أمره. اهـ.

وإن كان منعهما لك لمجرد الحمق، فإنه لا طاعة لهما عليك في ذلك، وراجعي فيه فتوانا رقم: 272299 بعنوان: ضوابط وجوب طاعة الوالدين.

ولكن عليك -على أية حال- أن تجتهدي في برهما، والتقرب إليهما.

بل إن كان تزين غير المتزوجة معيبا في مجتمعك، ويخشي من كلام الناس في عرضك بسببه، فالأولى تركه ولو لم ينه الوالدان عنه حفاظا على العرض؛ فإن العرف له اعتبار في الأحكام، وعليه تدور كثير منها.

قال ابن عابدين في رسالته في العرف:

والعرف في الشرع له اعتبار * لذا عليه الحكم قد يُدار

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني