الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمه تدير العمل وتظلم بعض الموظفين فكيف ينكر عليها

السؤال

صديقي يعمل في مكان ما واحد هو وأمه وآخرون.
أمه (المديرة) تظلم الناس كثيرا في العمل، وتسمعهم كلاما لا يحق لها أن تقوله.
الذي يحدث كالتالي: الناس المظلومة بالفعل أو القول لا تستطيع أن ترد على أمه؛ لأنهم ربما يحترمون وجود ابنها ولا يريدون أن يسمعوه كلاما عن أمه، أو ربما لأنهم خائفون منها، أو ربما لأنهم يستحيون من التكلم معها وجدالها وابنها موجود، فالابن بالتالي هو الذي يذهب إلى الأم ويحاورها ويناقشها، ويتعرض بذلك إلى غضب الأم عليه؛ حيث إنها تستعمل أسلوب العناد وأسلوب العصبية وأسلوب التعقيد في العمل.
السؤال هو: هل غضب الأم ودعواتها على هذا الابن مستجابة ويأثم على ما فعله؟
هل الابن الذي بالعمل والذي يتعرض لهذه الضغوطات من الجانبين يأثم إذا واجه هذه الظلمات بشكل قوي (أي أنه يجادل أمه بالعمل بقوة أحيانا، وربما يعلو صوته عليها من حدة الكلام، وليس لأنه يريد أن يصرخ عليها).
يرجى الأخذ بالاعتبار أنه مضطر إلى مواجهة أمه لظلمها، وأنه لا يستعمل الأسلوب الذي وضحته إلا بعد أن يضيق صدره ويصل صبره إلى حده، وأنه حاول معها كثيرا بأسلوب حسن ولبق، وأنه حاول أن يستعين بأبيه ولكن بلا فائدة.
شكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن نصح الوالدين والإنكار عليهما فيما يقعان فيه من عصيان لأمر الله ليس من العقوق في شيء، بل هو في الحقيقة من البر بهما؛ لأنه سبب في حجزهما عن المنكر، وهذا من أعظم الإحسان.

لكن الإنكار على الوالدين ليس كغيرهما، فيجب أن يكون برفق وأدب وخفض جناح، دون تعنيف أو تبكيت، جاء في الآداب الشرعية [فصل في أمر الوالدين بالمعروف ونهيهما عن المنكر] قال أحمد في رواية يوسف بن موسى يأمر أبويه بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة ولا يغلظ له في الكلام وإلا تركه وليس الأب كالأجنبي. اهـ.

وقد رخص بعض العلماء في ترك الرفق عند الإنكار على الوالدين في حال الاضطرار، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أما الاحتساب بالتعنيف والضرب والإرهاق إلى ترك الباطل، فإن الغزالي يتفق مع غيره في المنع منه حيث قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد عاما، وأما النهي عن إيذاء الأبوين فقد ورد خاصا في حقهما مما يوجب استثناءهما من ذلك العموم، إذ لا خلاف في أن الجلاد ليس له أن يقتل أباه في الزنى حدا، ولا له أن يباشر إقامة الحد عليه، بل لا يباشر قتل أبيه الكافر، بل لو قطع يده لم يلزم قصاص، ولم يكن له أن يؤذيه في مقابلته، فإذا لم يجز له إيذاؤه بعقوبة هي حق على جناية سابقة، فلا يجوز له إيذاؤه بعقوبة هي منع عن جناية مستقبلة متوقعة بل أولى، وترخص ابن حجر في حالة الاضطرار مجاوزة الرفق إلى الشدة. اهـ.
فعلى هذا الابن أن ينكر على والدته ما يقع منها من ظلم ، لكن دون توبيخ أو رفع صوت أو نحو ذلك، إلا عند الضرورة.

وإذا دعت عليه والدته لمجرد إنكاره عليها دون أن يقع في عقوقها فدعاؤها حينئذ دون وجه حق، وهو دعاء مردود غير مجاب، كما في جاء الحديث: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم. والدعاء بغير حق من الإثم، وقال المناوي ـ في شرح حديث : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان ـ: وما ذكر في الوالد محله في والد ساخط على ولده لنحو عقوق .اهـ. من التيسير .

وراجع للمزيد حول الإنكار على الوالدين الفتوى رقم: 224710 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني