الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟

السؤال

هذا سائل يقول: عَنْ مَالِكِ بن مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمِلا. قَالَ: يُرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا لا يَجِدُ مَا يُرْضَخُ بِهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَيِيًّا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: يَصْنَعُ لأَخْرَقَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا؟ قَالَ: يُعِينُ مَغْلُوبًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ فِي صَاحِبِكَ مِنْ خَيْرٍ، تُمْسِكُ الأَذَى عَنِ النَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَفْعَلُ خَصْلَةً مِنْ هَؤُلاءِ، إِلا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.
عند قوله: إن مع الإيمان عملا، هل يعني أن الذي لا يقدر على العمل مع الإيمان يقوم بالتصدق، أو يأمر بالمعروف إلى آخره؟
نرجو شرحا للحديث بارك الله فيك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث بهذا اللفظ قد أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وقد صححه ابن حبان، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم .اهـ. وأقره الذهبي.

والحديث أصله في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي ذر بلفظ: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيله» قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعا، أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك»
وقوله: ( يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمِلا ) هو سؤال من أبي ذر للنبي صلى الله عليه وسلم، كما في لفظ ابن أبي شيبة في المصنف: قال: قلت: يا نبي الله، أو مع الإيمان عمل؟

والمراد به -كما هو ظاهر- أن هناك أمورا تنجي العبد من عذاب النار مع الإيمان بالله، وهي الصدقة إلى آخره. ومعنى يرضخ: أي يتصدق بالقليل.

قال الجوهري في الصحاح: ورضخت له رضخا، وهو العَطاء ليس بالكثير. اهـ.

وقال ابن فارس في مقاييس اللغة: الراء، والضاد، والخاء كلمة تدل على كسر. ويكون يسيرا، ثم يشتق منه. فالرضخ: الكسر; وهو الأصل، ثم يقال رضخ له، إذا أعطاه شيئا ليس بالكثير، كأنه كسر له من ماله كسرة. اهـ.

وقوله: عييا: أي لا يحسن البيان.

قال الجوهري: العِيُّ: خِلاف البيان.اهـ.

ومعنى الأخرق.

قال القرطبي: وهو الذي لا يُحْسِنُ العَمَلَ؛ يقال: رجلٌ أخرَقُ، وامرأةٌ خَرْقاء، وهو ضدِّ الحاذق بالعمل. اهـ من المفهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني