الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر بولس في الديانة النصرانية، وأهم الفوارق بين طوائف النصارى

السؤال

ما هو تعريف المسيحية، والنصرانية؟ وما الفرق بينهما؟ فيقال: إن المسيحية ديانة أساسها بولس، فكيف ذلك؟ وما هي أهم الفوارق بين الطوائف الثلاثة في المسيحية -الكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت-؟ وقد صدرت عام 1993 في أمريكا طبعة جديدة لأسفار العهد الجديد الأربعة المعتمدة، مضافًا إليها سفر توما الذي اكتشف عام 1945 بمصر، واشترك في تحقيقها أكثر من مائتين من كبار علماء ودكاترة اللاهوت في أمريكا، فما هو ملخص ما اتفق عليه في هذا التجمع الذي سمي بندوة عيسى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالنصرانية هي دين النصارى، الذين يزعمون أنهم يتبعون فيه المسيح -عليه السلام-، وسموا نصارى نسبة إلى نصرانة، وهي قرية المسيح -عليه السلام-، وتسمى هذه القرية: ناصرة، ونصورية، وقيل: سموا بذلك من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ [الصف:14].

ويطلق النصارى على أنفسهم اسم المسيحيين -أيضًا- نسبة إلى المسيح -عليه السلام-؛ لكن لم ترد هذه التسمية في القرآن، ولا في السنة، وهي تسمية لا توافق واقعهم؛ لتحريفهم دين المسيح، ومخالفتهم لما جاء به، وقد سماهم الله في كتابه الكريم بالنصارى، وبأهل الكتاب.

والديانة النصرانية في الأصل تعود إلى المسيح -عليه السلام-، وليس إلى بولس، فالمسيح نبي من أنبياء بني إسرائيل، أرسل إلى بني إسرائيل، دعا إلى الله، وبلغ رسالة ربه، وقد ذكره الله في القرآن في مواضع متعددة، قال الله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ* قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:45-49].

وهي من أشمل ما ذكر عنه -عليه السلام- في القرآن، ولكن لم يبق شيء مما جاء به عيسى -عليه السلام- إلا النزر اليسير، بل بدلت ملته، وحرفت، واستبدل النصارى التوحيد بالشرك.

وأما بولس: فهو أول من حرف في دين النصارى، فيما بين عام 51-55 م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين مجمع أورشليم، تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار، المقتول رجمًا سنة 62م؛ ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر -إعمالًا لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة، إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية، على أنها خطوة أولى، يلزم بعدها بشريعة التوراة، كما تقرر فيه تحريم الزنى، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر، ولحم الخنزير، والربا، مع أنها محرمة في التوراة.

عاد بولس بصحبة برنابا إلى إنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة، نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله: إنها كانت لعنة، تخلصنا منها إلى الأبد، وإن المسيح جاء ليبدل عهدًا قديمًا بعهد جديد، ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض، عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب، والفداء، وقيامة المسيح، وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم المحشر.

وهكذا كرر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه، وانفصل عنه؛ مما أثار الناس ضده؛ لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية، ضمَنَّها عقيدته، ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا، وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أخيرًا في روما، في عهد نيرون سنة 65م.

وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى، ففي القرن الثاني الميلادي، تصدى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولًا، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية، إلا أنها كانت محدودة التأثير، وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث، والوثنية في النصرانية.

وأما الطوائف الثلاث في المسيحية، وهم: الكاثوليك، والأرثوذكس، والبروتستانت، فقد أجمعت هذه الطوائف على القول بألوهية المسيح -عليه السلام-، وأنه نزل ليصلب؛ تكفيرًا لخطيئة آدم -عليه السلام-، كلهم مجمعون على اعتبار الكتب الأربعة: متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وبقية العهد الجديد، مع العهد القديم، هي الكتب المقدسة؛ إلا أنهم يختلفون في بعض الأمور الأخرى.

أ- فالكاثوليك هم أتباع البابا في روما، وأهم ما يتميزون به هو:

1- يبيحون أكل الدم، والمخنوق.

2- قولهم: إن الروح القدس انبثق من الأب والابن معًا.

3- أن البابا في الفاتيكان هو الرئيس العام على جميع الكنائس الكاثوليكية.

4- تحريم الطلاق بتاتًا؛ حتى في حالة الزنى.

والكاثوليك هم أكثر الأوروبيين الغربيين، وشعوب أمريكا الجنوبية، وتسمى كنيستهم الكنيسة الغربية.

ب- الأرثوذكس: وهم النصارى الشرقيون، الذين اتبعوا الكنيسة الشرقية في القسطنطينية، وأهم ما يتميزون به هو:

1- إن الروح القدس انبثق عندهم من الأب فقط.

2- تحريم الطلاق، إلا في حالة الزنى، فإنه يجوز عندهم.

3- لا يجتمعون تحت لواء رئيس واحد، بل كل كنيسة مستقلة بنفسها، وهذا المذهب منتشر في أوروبا الشرقية، وروسيا، والبلاد الغربية.

ج- البروتستانت: ويسمون الإنجيليين، وهم أتباع مارتن لوثر، الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا، وكان ينادي بإصلاح الكنيسة، وتخليصها من الفساد، الذي صار صبغة لها، وأهم ما يتميز به أتباع هذه النحلة هو:

1- أن صكوك الغفران دجل وكذب، وأن الخطايا والذنوب لا تغفر، إلا بالندم، والتوبة.

2- أن لكل أحد الحق في فهم الإنجيل وقراءته، وليس وقفًا على الكنيسة.

3- تحريم الصور، والتماثيل في الكنائس؛ باعتبارها مظهرًا من مظاهر الوثنية.

4- منع الرهبنة.

5- أن العشاء الرباني، تذكار لما حل بالمسيح من الصلب في زعمهم، وأنكروا أن يتحول الخبز والخمر، إلى لحم ودم المسيح -عليه السلام-.

6- ليس لكنائسهم رئيس عام يتبعون قوله.

وهذه النحلة تنتشر في ألمانيا، وبريطانيا، وكثير من بلاد أوروبا، وأمريكا الشمالية.

ولا علم لنا بما اتفق عليه هؤلاء الناس الذي اجتمعوا لتحقيق هذا السفر، والعلم به والجهل سواء؛ لأنه لا ينبني عليه شيء.

فالذي يجب أن نعتقده: أن ما عندهم باطل، ومحرف، ولم يبق عندهم شيء مما أنزل على أنبياء الله البتة، وإنما هو -أي: ما عندهم- من بنيات أفكار قسسهم، وأحبارهم، كتبوها عن هوى، وشهوة؛ ليضلوا بها الناس.

ولو سلمنا جدلًا أنه بقي عندهم شيء صحيح من التوراة، أو من الإنجيل، فإنه كله قد نسخ بالإسلام، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سـبأ:28]، وقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه [المائدة:48]، وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

ويمكن الرجوع إلى كتاب الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.. وكتاب دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية للدكتور/ سعود بن عبد العزيز الخلف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني