الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتظار فتاة مدة طويلة للزواج بها لا يخلو من المجازفة

السؤال

رأيت في منامي، بعد صلاة الفجر، رؤيا، فهمت منها أنني سأتزوج من فتاة من غير دولتي، هذا ما فهمته من الرؤيا، ولكني لم أركز فيها؛ لأني قلت في نفسي: كيف يتحقق ذلك، وكل منا من بلد! ولكن بعد ذلك عن طريق الصدفة، صادفت فتاة من تلك الدولة، وتعلقت بها، وأحببتها، وهي أيضا تعلقت بي، ولكنها رفضت الكلام بيننا حتى تستأذن والدتها، وبالفعل حصل أن كلمت والدتها، وعرضت عليها خطبتها، وقالت لي انتظر ست سنوات حتى تنهي دراستها؛ لأن والدها لو علم بهذا الأمر فستحدث بسببه مشاكل. ووافقتها على ذلك، وقامت هي كما قالت لي بصلاة الاستخارة، وبعدها أرسلت لي في اليوم التالي أن ننسى الموضوع، ولكننا كنا أنا والفتاة قد زاد تلعقنا ببعض، وواعدتها على أن أنتظرها، وكانت تكلمني من دون علم أهلها، ولكن لم نستمر كثيرا؛ لأننا عرفنا أن هذا حرام، ويغضب الله عز وجل، وعليها أخذنا أولا بالأسباب، وتركنا التواصل بيننا مخافة لله، ولكني لم أتحمل أكثر من شهرين دون أن أكلمها، وكان معي رقم هاتف لها أخذته حتى أستطيع أن أتواصل معها بعد أن تنهي دراستها، وأخطبها من أهلها، ولكن بعد شهرين راسلتها وكلمتها، والآن أتواصل معها بدون علم أهلها أيضا، وهذا الأمر يحزنني كثيرا، وأشعر أني أعصي الله، ولا أستطيع في نفس الوقت أن أخطبها من أهلها؛ لأنهم يرفضون هذا الموضوع في هذا الوقت، وهم نِعم الناس، والبنت أيضا نِعم الأخلاق. وفي نفس الوقت هي تدرس، وأخاف أن أتركها حتى لا أتسبب لها في جرح بمشاعرها، ويكون ذلك سببه بعد ذلك نظرتها لكل الرجال نظرة دنيئة، ومخادعة، وخاصة أننا نثق في بعضنا كل الثقة، وأنا أيضا أريدها، ولا أريد التنازل عنها، ولكن معصيتي لله بالتواصل معها تتعبني، وأخاف أيضا أن يؤثر ذلك على مستوى دراستها، فأنا الآن أحاول أن أخرج من ذلك الموقف بالتدريج، ولكن نيتي أن أتواصل مع أهلها بعد إتمام دراستها بإذن الله، وأدعو الله دائما أن يجمعني بها، ويجعلها زوجة صالحة لي.
والسؤال: بعد ما قصصت قصتي هذه أفيدوني أفادكم الله في أمري هذا، فأنا الآن أعيش في حيرة من أمري، ولا أدري هل الله معي، أو غضبان علي، أو ما موقفي حتى الآن؟
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالرؤيا التي رأيتها يمكن أن يكون تعبيرها ما ذكرته، ويمكن أن لا يكون كذلك، فلا ينبغي أن تشغل بها نفسك كثيرا. وأمر الزواج مكتوب، وسيأتيك ما كتب لك منه، قال تعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا {الأحزاب:38}.

ومطلوب منك شرعا أن تحسن العمل، وتحسن الظن بالله تعالى، ومن إحسان العمل أن لا تكون لك علاقة عاطفية مع امرأة أجنبية عنك، فهذا محرم شرعا، وعلم أهلها من عدمه، لا اعتبار له هنا، وراجع الفتوى رقم: 30003.

وأنت على علم بذلك، وقد عزمت على أن تترك محادثة هذه الفتاة، والتواصل معها، فاثبت على ذلك، واستعن بربك، وأكثر من الدعاء الذي كان يكثر النبي صلى الله عليه وسلم قوله، روى أحمد والترمذي وابن ماجة عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به. فهل تخاف علينا؟ قال: نعم؛ إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبهما كما يشاء. وفي حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسى طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.

وكما ذكرت، فإن مثل هذه العلاقة قد تتطور إلى نوع من العشق، يشغل المسلم، أو المسلمة عن النظر في أمر دينه، أو دنياه، وراجع في العشق وعلاجه الفتوى رقم: 9360.
وإذا كان زواجك من هذه الفتاة قد يتأخر كل هذه المدة المذكورة، فلا نرى لك أن تنتظرها، فالأعمار محدودة، وقد تعرض لك، أو لها العوارض، أو لا يرتضي أهلها أصلا زواجك منها. وإضافة إلى هذا كله، أنها من بلد، وأنت من بلد آخر ومثل هذا الزواج قد لا يخلو من بعض المخاطر؛ لاختلاف الناس في عاداتهم، وحاجة مثل هذا الزواج إلى السفر، والتنقل بين البلدين لزيارة أهلها ونحو ذلك، وهذا فيه من الحرج ما فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني