الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاهدة الأطفال لقنوات أهل البدع والضلال.. مفاسد وأضرار

السؤال

سماحة الشيخ، هل يمكن أن أسمح لأطفالي بمشاهدة قناة أطفال تضر عقائدهم وأخلاقهم -كبعض قنوات أهل البدع-؟ مع العلم أني منعتهم من مشاهدتها، ولكن لا بد أن أعطيهم إجابات.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن قنوات أهل البدع والضلال التي لا يؤمَن أن تبث البدع والمخالفات يجب على الوالدين كف صبيانهم عن مشاهدتها؛ صيانة لهم عن الزيغ والانحراف؛ قال الغزالي: اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه؛ فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له، وقد قال الله -عز وجل-: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا). ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه، ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من القرناء السوء؛ فإن الصبي مهما أهمل في ابتداء نشوئه خرج في الأغلب رديء الأخلاق، كذابا، حسودا، سروقا، نماما، لحوحا، ذا فصول وضحك، وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب، ثم يشتغل في المكتب؛ فيتعلم القرآن، وأحاديث الأخيار، وحكايات الأبرار وأحوالهم؛ لينغرس في نفسه حب الصالحين، ويُحفَظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويُحفَظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع؛ فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد. اهـ. باختصار من إحياء علوم الدين.

فإذا أرشد إلى تجنيب الصبي سماع أشعار العشق؛ فكيف بمشاهدة قنوات أهل البدع والضلال؟! لا ريب في أنها أحق أن يحال بين الصغار وبين مشاهدتها.

وقال ابن القيم كتاب تحفة المودود: باب في وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم.

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} [التحريم: 6]. قال علي -رضي الله عنه-: علموهم وأدبوهم. وقال الحسن: مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير. وفي المسند، وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع.

وقد روى الحاكم عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله.

وذكر البيهقي عن أبي سعيد، وابن عباس قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فليزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على أبيه.

وقال عبد الله بن عمر: أدب ابنك؛ فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك.

وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالأمير راع على الناس، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده، وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.

فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه؛ فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا، كما عاتب بعضهم والده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا، وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا. فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب؛ فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون؛ فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله، وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح؛ حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء. اهـ. بتصرف.

وأما كيفية بيان سبب المنع من ذلك للصغار: فهو جانب تربوي يُرجع فيه إلى أهل الاختصاص، ويختلف باختلاف عمر الطفل ومدى استيعابه.

ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا في هذا الجانب.

وانظري للفائدة الفتوى رقم: 148687.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني