الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنهج الصحيح يشتمل على تصحيح الاعتقاد، والعمل، وتهذيب السلوك

السؤال

سمعت في إحدى المرات الشيخ يوسف القرضاوي يدعو في إحدى محاضراته إلى: (تسليف الصوفية، وتصويف السلفية)، حيث يقول بأن الصوفية عندهم الكثير من البدع، ومن ثم فيتوجب عليهم أن يلتزموا بالسنن، كما يفعل السلفيون، ويزعم أن السلفيين لديهم جفاء، وغلظة، وأنهم يهتمون بالظواهر، والشكليات، وينسون البواطن، وأعمال القلوب، فهم يحتاجون للتصوف.
وفي نظري أن كلامه صحيح بالنسبة لتسليف الصوفية، أما بالنسبة لتصويف السلفية، فهو غير صحيح؛ لأن المنهج السلفي الذي يتبعه السلفيون هو منهج شامل لكل الدين، وليس في الظواهر، والشكليات فقط، فهم يتابعون السلف الصالح بكل ما كانوا عليه من عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وسلوك، وأعمال ظاهرة، وباطنة.
وقد يكون كلام القرضاوي صحيحًا بالنسبة لبعض الأفراد، والجماعات التي تنتسب زورًا إلى المنهج السلفي، فهأنا ذا سلفيٌّ -ولله الحمد والمنة- وتعرفت إلى المنهج السلفي من خلال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وذلك باستماع الكثير من محاضراته المسجلة، وقراءة الكثير من كتاباته، وأهتم كثيرًا بالباطن، وأعمال القلوب.
وكان الشيخ الألباني -رحمه الله- يدعو في الكثير من محاضراته إلى التلازم بين الظاهر، والباطن، فلم يكن يغفل عن الأعمال الباطنة، فما قولكم في الذي قاله الشيخ القرضاوي -جزاكم الله خيرًا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمنهج الصحيح المؤسس على الكتاب والسنة يشتمل على تصحيح الاعتقاد، وتصحيح العبادات والمعاملات، وتهذيب السلوك والأخلاق.

وخير من التزم هذا المنهجَ هم السلف الصالحون من الصحابة، والتابعين، وأتباعهم، ومن أراد السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، فليلتزم هذا المنهج بقدر المستطاع.

وقد ادعى أقوام موافقة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، ولكنهم اقتصروا على بعض مسائل العلم، وغالوا فيها، وقصَّروا في تحقيق منهج السلف في باب السلوك، والأخلاق، والتعامل بالرحمة، والشفقة على المخالف، وحينئذٍ لا تنفعهم مجرد دعوى الانتساب إلى منهج السلف، ويكون النقص حينئذٍ داخلًا على الأشخاص، لا على أصل المنهج، والذي يجب أن يُقوَّم هو الأشخاص، لا المنهج؛ إذ المنهج -بحمد الله تعالى- محفوظٌ، ومحرَّر.

ومن المعروف أن الصوفية غير الغلاة من أمثال: عبد الواحد بن زيد، والجنيد، وسهل بن عبد الله التُّسْتَري، والسَّري السقطي، ومن لفَّ لفَّهم، واقتفى أثرهم، قد اعتنوا عناية فائقة بقضية السلوك.

وعلى هذا يمكن أن يُفهم كلام الشيخ القرضاوي عن (تصويف السلفية) على أنه يَحُث المنتسبين لمنهج السلف على العناية بتهذيب السلوك، وتحسين الأخلاق، والتزام الآداب، لا أن منهج السلف خلوٌ من هذه الأمور، كما سبق بيانه، وتكون لفظةُ (السلفية) في سياق كلامه اسمَ جنس يصدُق على بعض المنتسبين لها.

ومن أسباب عدم تحقيق بعض المنتسبين للسلفية لمنهج السلف على الوجه الأكمل في زماننا، غياب كثير من القُدوات والمربين الذين يربون تلاميذهم على التحقق بالمنهج في جميع جوانبه، وكذلك الاستعلاء بالعلم والانتفاش به.

ومن هنا كانت نصيحة الشيخ القرضاوي لهؤلاء؛ فإن العلم الحقيقي يكسر النفس، ويزيد الخشية، ويثير الشفقة على المخالف المقصِّر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني