الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يعظم الأجر بالإحسان للوالدين مع الجفاء والقسوة

السؤال

إني على يقين بأن الله لم يأذن بعد بتزويجي، وإن تعددت الأسباب، لكن أريد السؤال عن رأي الشرع في قضية رفض الأهل تزويج بنتهم، بالرغم من تدين ومكانة خاطبيها, حيث إنني قد خطبت مرات عديدة لربما ظن السامع بها أنها من المبالغة التي هي أخت للكذب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
في كل مرة كانت الحجج تتشابه تارة، وتختلف أخرى بين قول إنه ينبغي أن تتم دراستها، ثم إننا لا نرغب في تزويجها الآن، ومن ثم القول بأنه لا بد من تزوج الأكبر سنا أولا، والله المستعان. و كل هذا مر بي منذ سن 17، وأنا الآن على وشك إتمام الرابعة والعشرين، ولا زال الأمر على حاله، في كل مرة حجة، وما شاء الله، كل أخواتي تزوجن، والعديد من الفتيات اللاتي أعرفهن يخطبن مرة أو مرات قلائل وأهاليهن ييسرن أمرهن، فتزوجن من أناس بسطاء بغض النظر عن الدين وعن العمر والعمل وغير ذلك، ما شاء الله تبارك الرحمن. ومقارنة بحالي فإن أغلب من يتقدمون لي هم على قدر من الدين والعلم وبعمر مناسب - سبحان الله - وأهلي يعقدون ويصعبون - والحمد لله على كل حال -
تركت الدراسة لأسباب منها الاختلاط والسفر دون محرم - والحمد لله - لم أندم ولن أندم لامتثالي لأمر الشارع جل في علاه، وإن كان هذا الأمر قد أثر على علاقتي بأهلي، فلم يرضوا به، خاصة وأني قد زدت عليه بانتقابي، وعانيت في هذا ما الله به عليم. وإني لم أترك طلب العلم أبدا، فإني أطلبه بسبيل آخر بعيد عن الاختلاط والسفر المحرم بفضل الله، حيث إنني أتابع مساري بإحدى الأكاديميات بالنت.
وللعلم فهناك مرة واحدة فقط أراد أهلي غصبي على أحد المتقدمين فرفضته لبعده عن الدين حتى أن أمي غضبت مني، وقالت بأنه لن يهمها أمر تزويجي بعد الآن كائنا من كان، لكن بعد زمن لا حظت بنفسها أن الحق إنما كان معي، فلم يكن مناسبا أبدا، وإني لأخشى أن يكون الأمر لا زال عالقا بذهنها، ففي مجمل الأحيان تكون هي الرافضة، وأيضا هناك أشخاص آخرون رفضتهم أنا لنفس السبب. لذا فإن سؤالي هو عن المتدينين .
وقد يقول البعض إن الأمر عادي، ولكن بالنسبة لي قد تضررت كثيرا من هذا الأمر، فالمتقدمون من العوام ما تركوني بكلامهم، وحتى بعض المتقدمين من المهتمين بالمنهج السلفي ما رحموني، وتكاثرت الألسن علي من كل حدب وصوب، لأنهم يعتقدون أنني الرافضة في كل مرة، ولم يعزوا الأمر لأهلي الذين هم وراء كل ذلك. وأنا الآن جد متعبة من كلام الناس، وتأثرت بهذا الموضوع دينيا ونفسيا وجسديا، فأصبحت بعيدة عن التفاؤل في كل مرة يأتيني فيها خاطب جديد أكون شبه متأكدة من أن الأمر لن يتم، فالرد نفسه لسنوات مضت فلا شك في أنه لن يتغير، فأهلي لا يعرفون كلمة نعم، ينسونها عندما يتعلق الأمر بي.
وبين كل الكلمات التي قلتها فإني أجد صعوبة بالغة في بر والدي؛ حيث إنني أكظم غيظي قدر المستطاع وأحاول أن لا أخالف ديني بعصيانهم، وأكتفي بالسكوت والصوم عن الكلام إلى غاية هدوء أعصابي أو البكاء بعيدا عنهم دون أن يلحظوني، كما أنني أراهم لا يعدلون بيني وبين أخواتي مع أنني الأكثر اهتماما بشؤونهم وامتثالا لأوامرهم، بالرغم من أن مفهوم الناس عن أصغر أبنائهم يشير إلى الاهتمام والحب الزائد، لكن أنا على العكس، فلا أجد نفسي سوى خادمة في بيتِ أهلُه يلقون الأوامر لخدمتهم وخدمة أبنائهم فحسب، ويحرمونني من أمور عديدة، فلطالما احتجت لأشياء غفلوا عنها، لكن لم أعتبر نفسي فردا مهما يُهتم له كي أطلب حاجاتي. والله المستعان.
أخيرا أقول لكم إن خدمتي لأهلي هي على الرأس والعين دون شك، وطاعتهما واجبة يقينا فيما أمر الله به، ولكن كيف لي أن أوازن بين هذا وبين القهر الذي يصيبني كوني أراهم يخطئون في حقي كل مرة، وهذا منذ أن تركت الدراسة أي أنهم تغيروا منذ ذلك الحين إلى اليوم، وليس الأمر في الزواج فقط، بل هو متعلق بالتعامل اليومي وفي جل أموري. ونادرا ما أشعر بقرابتهم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك ، وأن يزيدك هدى وصلاحا ، ونوصيك بالصبر ، فإن عاقبة الصبر الظفر بإذن الله ، فجاهدي نفسك في الإحسان إلى والديك ، فحقهما عظيم ، فإن الله عز وجل قد قرن بين عبادته والإحسان للوالدين كما قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا {الإسراء:23}، وحق الوالدين من البر والإحسان لا يسقط بتقصيرهم في حق أبناءهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري، وأعظم الرحم حقا الوالدان.

واعلمي أن بر الوالدين والإحسان إليهما مع جفائهما لك أعظم أجرا ، فهي أشق على النفس .

ونوصيك بالدعاء أن يشرح الله صدر والديك للرفق بك والإحسان إليك ، واحرصي على التغافل والتغاضي عما يبدر منهما تجاهك .

وبخصوص قضية الزواج : فلا ريب أنه لا يجوز شرعا عضل الفتاة، ورد الخاطب الكفء الذي ترضاه دون مسوغ شرعي ، وهذا من الظلم المبين . وانظري في هذا الفتوى رقم : 147289 .

وينبغي لك أن تشرحي لوالديك بلطف وحنو رغبتك في الزواج ، ولتدعي الله جل وعلا قبل ذلك أن ييسر لك الزوج الصالح الذي تسعدين به .

وراجعي للفائدة الفتوى رقم : 272875 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني