الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا وصف الله الكفار بأنهم شر البرية؟

السؤال

لماذا وصف الله عز وجل اليهود والنصارى والوثنيين بأنهم شر البرية، أي شر الخليقة ي قوله: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ"؟ هل ذلك بسبب كفرهم بالإسلام وعبادتهم غيره؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهؤلاء الكفار وصفهم الله بأنهم شر البرية؛ لأنهم عرفوا الحق فكفروا به، وعاندوه وأعرضوا عنه، قال صديق حسن خان في (فتح البيان في مقاصد القرآن): شر البرية أفعل تفضيل، أي: لأنهم يخفون من كتاب الله صفة محمد، وأشر من قطاع الطريق؛ لأنهم قطعوا طريق دين الحق على الخلق، وأشر من الجهال؛ لأن الكفر مع العلم يكون عنادًا، وهذا فيه تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد. اهـ.

وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): معنى كونهم شر البرية أنهم أشد الناس شرًّا، ف {شر} هنا أفعل تفضيل أصله أشر، مثل خير الذي هو بمعنى أخير، فإضافة شر إلى البرية على نية من التفضيلية، وإنما كانوا كذلك لأنهم ضلوا بعد تلبسهم بأسباب الهدى، فأما أهل الكتاب فلأن لديهم كتابًا فيه هدى ونور، فعدلوا عنه، وأما المشركون فلأنهم كانوا على الحنيفية، فأدخلوا فيها عبادة الأصنام، ثم إنهم أصروا على دينهم بعد ما شاهدوا من دلائل صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به القرآن من الإعجاز، والإنباء بما في كتب أهل الكتاب، وذلك مما لم يشاركهم فيه غيرهم، فقد اجتنوا لأنفسهم الشر من حيث كانوا أهلًا لنوال الخير، فحسرتهم على أنفسهم يوم القيامة أشد من حسرة من عداهم، فكان الفريقان شرًّا من الوثنيين والزنادقة في استحقاق العقاب، لا فيما يرجى منهم من الاقتراب. اهـ.

وقال ابن عثيمين في تفسيره: {أولئك هم شر البرية} أي شر الخليقة؛ لأن البرية هي الخليقة؛ وعلى هذا فيكون الكفار من بني آدم من (اليهود، والنصارى، والمشركين) شر البرية (شر الخلائق) وقد بين الله ذلك تمامًا في قوله: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} [الأنفال: 55] ، وقال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون، ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} [الأنفال: 22-23] فهؤلاء الكفار من اليهود، والنصارى، والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل. اهـ.

ثم نشير إلى اختلاف أهل العلم في حمل الآية على عموم البشرية، قال القرطبي في تفسيره: قوله {شر البرية} أي شر الخليقة، فقيل: يحتمل أن يكون على التعميم، وقال قوم: أي هم شر البرية الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين}[البقرة: 47] أي على عالمي زمانكم، ولا يبعد أن يكون في كفار الأمم قبل هذا من هو شر منهم، مثل فرعون، وعاقر ناقة صالح. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني