الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعتبر في استقامة المرء بحاله الآن لا بالماضي

السؤال

أنا امرأة متزوجة منذ 3 سنوات ـ والحمدلله ـ على قدر من الدين والعلم والجمال، وملتزمة بتعاليم ديننا الحنيف، ولم تلمس يداي قبل زوجي رجلا آخر، وللأسف كنت أعتقد أن زوجي صاحب خلق ودين، وكنت أحاول جاهدة إرضاءه لأنال رضى الله تعالى، ولأنني كنت أعتقد أنه أسمى رجل في العالم كله، وللأسف علمت أن زوجي كانت له علاقات آثمة قبل الزواج، وطلبت منه مصارحتي لأنني فتاة عفيفة طاهرة حافظت على جسدي من أن تمسه أي يد قبل زواجي، وكان هدفي هو إرضاء الله تعالى، وأيضا لأنني أعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وكنت على قناعة أن زوجي سيكون عفيفا طاهرا مثلي، لكن هيهات هيهات، وسؤالي هو: طلبت منه مصارحتي فأنكر، ولغيرتي الشديدة ولأنني أحسست أنني خدعت حين حافظت على عفتي ولم أحصل على رجل عفيف طلبت منه أن يحلف بالطلاق، فحلف لي به أنه لم يمس أي فتاة فصدقته، وبعد ذلك وجدت أنه كان يبحث على جهازه الكمبيوتر عن حكم من حلف بالطلاق كذبا، فانهارت نفسيتي مرة أخرى، لأنني علمت كذبه ولأنه حلف بالطلاق كذبا، وهذا طلاق ليس لعبا... فصرت أبحث عن حكم هذا الحلف وقرأت كثيرا، ولأننا نعيش في بلد غير عربي لم أستطع البحث عن من يفتيني، ولهذا أرسلت لموقعكم الفاضل، فهل بالإمكان الأخذ بمذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك؟ أشعر بالضيق كلما تذكرت علاقاته الآثمة وأشعر بكره شديد له.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على استقامتك على الحق، وحرصك على العفاف، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى وصلاحا، وأن يرزقك هدوء النفس وطمأنينة البال، ونوصيك بالإكثار من ذكر الله وشكره، فهو القائل تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

وأنت كنت في عافية من كل هذا الضيق الذي أدخلتِه على نفسك بسؤالك زوجك عن سابق حياته، وليس لك ذلك فالاعتبار بما عليه الآن لا بما كان عليه في الماضي، فمن ذا الذي يسلم من الخطأ والخطيئة، قال تعالى عن المتقين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}.

روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم.

وروى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

فيكفي أن يكون قد تاب واستقام حاله، ومن أذنب ـ كما أنه مطالب شرعا بالتوبة ـ فإنه مطالب أيضا بأن يستر على نفسه وإلا لحقه الوعيد الواردة فيمن يجاهر بذنبه، ويمكن مطالعة الفتوى رقم: 33442.

والغيرة أمر طيب، ولكن إن تجاوز بها صاحبها الشرع صارت مذمومة، وراجعي الفتوى رقم: 71340.

وبخصوص الحلف بالطلاق كذبا: فالخلاف فيه حاصل، فالجمهور يقولون بوقوعه خلافا لابن تيمية، فإنه يرى عدم وقوعه، كما أوضحنا في الفتويين رقم: 71165، ورقم: 143245.

وما ذهب إليه ابن تيمية معتبر، فمن كان عنده علم وترجح له قوله، فلا بأس بأن يأخذ به، وكذلك إن كان عاميا وأفتاه بذلك من يثق بعلمه ودينه، وأما الأخذ بذلك لمجرد تتبع الرخص: فلا يجوز، وانظري الفتوى رقم: 134759.

وعلى قول الجمهور بالوقوع، فإن لم تكن هذه الطلقة الثالثة، فلزوجك رجعتك بغير عقد جديد ما دمت في العدة، فإذا انقضت العدة، فلا بد من عقد جديد، وراجعي الفتوى رقم: 30332، ففيها بيان أنواع الطلاق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني