الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نفقة المرأة الناشز على الزوج أم على الوالدين؟ وهل لها حكم الهبة؟

السؤال

أختي سافرت مع زوجها منذ 18 سنة، ولها ثلاثة أبناء، ثم استقرت في مصر لظروف المدارس، وظل هو بالخارج مع زيارات متبادلة، وبعد فترة عادت لزوجها واستقرا معًا في الخارج؛ لأنه طلب ذلك، ثم عادت مرة أخرى واستقرت في مصر.
وعادت أختي لعملها بعد أن كانت في إجازة، وعملها مختلط، وقد تعرفت فيه إلى شخص سيئ السمعة بشهادة الكثير، وبعد فترة طويلة بدأ هذا الشخص بالتودد للعائلة -الأب، والأم، والإخوة- بل وزوج أختي، وقام بالكثير من الخدمات، والمصالح للجميع بمن فيهم أختي، وبمعرفة زوجها.
حدثت مشكلة بين أختي وزوجها أثناء وجوده في مصر، وتطورت بصورة كبيرة، ومن حينها عزمت أختي على الانفصال، وقامت بإجراءات عديدة، منها تغيير مفتاح الشقة لمنع زوجها من الدخول، وامتنع الزوج عن النفقة على الأسرة، وخاصة بعد مواقف كثيرة غير لائقة من أولاده تجاهه، والتي ـ عند مناقشتهم ـ يبررونها بأحداث أخرى له غير لائقة معهم، فيبررون ذلك بذاك، وكل طرف له مبرراته، ووجهة نظره.
حاول الزوج كثيرًا معالجة الموقف معها، ومع أهلها، واستعان بشخص من المعروفين بحل المشاكل، وعلاج السحر، ولا يعالج إلا بالقرآن، وكان تشخيصه أن الأمر لا علاقة له بالسحر، وأنها مشكلة لها أسبابها غير المرتبطة بالسحر، وحاول هذا الشخص كثيرًا مع أختي، لكنها كانت مصممة.
أختي لم تطلب الطلاق، أو الخلع؛ لأنها تريد الاحتفاظ بالشقة، وحضانة الأولاد، فتريد أن تأتي خطوة الانفصال من الزوج، وفي نفس الوقت -كما ذكرنا- تمنعه من دخول الشقة.
وهناك علاقة مشبوهة بين أختي والشخص المذكور سابقًا، فقد شوهد برفقتها أكثر من مرة في سيارتها، وفي مشاوير تقوم بها، وبعض هذه المشاوير قد يكون معهم أبناؤها، أو لا يكونون، وهما لا ينكران ذلك، والكل يعرف به، بل وبموافقة والديها أيضًا، حين كان يقضي لها بعض المصالح.
حدثت مشكلة كبيرة حين ضبط زوجها هذا الشخص المشبوه وهو يزورهم في المنزل بدعوى طلبهم بعض المال منه ـ وهذا بدون علم زوجها، ولا علم أهلها ـ واتضح أن هذا الشخص يكذب على سكان العمارة، ويوهمهم أنه خال الأولاد، وقد زارهم من قبل أكثر من مرة، بدعوى إحضار عمال –سباك، وغيره- لإصلاح مرافق الشقة، وكل هذا دون علم أي شخص.
وقد طلب زوجها الشرطة، وعمل محضرًا بالواقعة، وللأسف شهد والدي زورًا أنه هو من أرسل هذا الشخص لهم، والمبرر أنه لا يستطيع ترك ابنته تضيع، وادعت أختي أنه لم يدخل الشقة، بل وقف عند باب الشقة فقط، وأن زوجها هجم عليه، وأدخله الشقة عنوة، واستقر الأمر على التالي:
سفر الزوج ثانية، واستمرار امتناعه عن النفقة.
رفعت أختي قضية نفقة، وهذا الشخص المشبوه هو من يسير في الإجراءات بعلم الوالدين، وموافقتهما، ومتابعتهما معه، وهما يبرران مجالسته ومتابعته، رغم علمهم اليقيني أنه من الأسباب الرئيسة للموضوع كله، بأنه أعلم وأقدر شخص يستطيع المضي في الأمر، وأنه بمجرد الانتهاء من القضايا، والحكم لصالحها سيقطعان كل العلاقات معه، وما تحتاجه أختي من مال تحصل عليه بقروض مختلفة، وقد اقترضت مبالغ كبيرة من أهلي.
أبناء أختي قطعوا والدهم تقريبًا، وفي نفس الوقت هم على اتصال وتودد مع هذا الشخص المشبوه.
حدث انشقاق في العائلة، فأنا وأختي الثانية ضد كل ما يحدث، بينما الوالدان في البداية كانا مع أختي فيما تفعله، وكانا يبرران ذلك بأنهما مغلوبان على أمرهما، وأنهما لا يستطيعان رفض ما تفعله، فيؤدي ذلك لأن تقاطعهم أختي، وتفعل ما تشاء دون علمهما.
ومؤخرًا ظهر لهما خطأ ما كانا عليه، وندما، ونصحاها مرارًا بترك هذا الشخص المشبوه، وقطع علاقتها به، والابتعاد عنه دون جدوى، لكنهما يبقيان على علاقتهما بها دون مقاطعة، والأسئلة:
1 – ما حكم ما تفعله أختي مع زوجها؟ وإن كانت تريد الانفصال، فما الذي ينبغي أن تفعله كي لا تضيع حقوقها؟ فالكل يبرر كل شيء بأنه من أجل حفظ الحقوق.
2 - ما النصيحة لزوج أختي؟
3 - مؤخرًا استبانت للوالدين الأمور، وندما على تعاونهما مع ذلك الشخص المشبوه، فما الموقف الذي يجب عليهما أن يتخذاه تجاه أختي؟ وهما يرفضان توجيه تعليمات محددة لها، ويرفضان مقاطعتها إن هي رفضت ذلك؛ لأنهما يريان أنها سوف تقاطعهما، وتفعل ما تشاء، ولن تبالي، فهل من توجيه تفصيلي؟
4 - هل يلزم أهلي النفقة على أختي وأولادها في هذا الوضع؟ وإن أنفقوا عليها -نفقةً أو قرضًا- فهل هذا إعانة لها على ظلمها لزوجها؟ وهل يدخل هذا في تخبيب المرأة على زوجها؟
5 - أولاد أختي على مشاكل تربوية وسلوكية كثيرة، فهل يتحمل أختي وزوجها ذنوبهم المستقبلية؛ نظرًا للتقصير في تربيتهم؟ وهل يتحمل أهلي ذنوبهم لأنهما كانا يدعمان والدتهم من باب "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"؟
6 - هل حالة أختي ـ بالأوضاع المذكورة ـ تعد مسوغًا شرعيًا لإقراض أبي وأمي لها، وتخصيصها بالقرض دون باقي الأبناء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

1- فعلى أختك أن تتقي الله عز وجل، وتتوب إليه، وتراجع نفسها، فإن ما تفعله من منع زوجها من دخول الشقة إنما هو نشوز محرم بلا ريب، وإذا كان يحرم على الزوجة الامتناع عن أداء حقوق زوجها عليها دون عذر، فكيف بمنعها إياه حقه في شقته هو، كما يظهر من السؤال؟! وانظر الفتويين: 1103، 138832.

وإذا كانت تريد الانفصال لمسوغ شرعي، والزوج يرفض، فلتسلك الطريق الشرعي لذلك بطلب الخلع، أو الطلاق، ويحرم عليها اغتصاب شقة زوجها بغير حق، ولتتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه من سبع أرضين. متفق عليه.

2- أما الزوج فلا تلزمه نفقة زوجته شرعًا، والحال ما ذكر؛ فإن الناشز لا نفقة لها، قال ابن المنذر: اتفق أهل العلم على وجوب نفقة الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين، إلا الناشز. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 11797.

وحيث إن الزوج قد حاول في إصلاح الحال مع زوجته دون جدوى، فننصحه بطلاقه ، لا سيما وهناك علاقة مشبوهة مع الرجل المذكور، وأما نفقة أولاده فلا تسقط بمجرد عقوقهم، وإنما تسقط إن كان لهم مال يستغنون به، أو كانوا بالغين قادرين على الاكتساب، وراجع الفتوى رقم: 138778.

3- الواجب على والدك أن يتوب مما فعله من شهادة الزور التي هي أكبر الكبائر، كما يجب على والديك الإنكار على بنتهما ما تفعله من نشوز، وعلاقة مشبوهة، وغير ذلك، وقد كان الأحرى بهما أن يخافا من سخط الله عليهما بترك الإنكار الواجب.

وأما تخوفهما من فعلها ما تشاء، فهو في غير محله، فإنها في وضعها الحالي تفعل أيضًا ما تشاء من المنكرات المذكورة، ثم ما يدريهما، فلعل إنكارهما عليها يكون رادعًا لها عما تفعل؛ وعلى ذلك فلا يظهر وجه مصلحة راجحة في تركهما الإنكار عليها، والأصل وجوب الإنكار.

4- لا يلزم والداك أن ينفقا على أولاد أختك مع وجود أبيهم الموسر، قال ابن قدامة في المغني: من كان له أب من أهل الإنفاق, لم تجب نفقته على سواه، وفي حالة ترك أبيهم للنفقة الواجبة فلمن أنفق عليهم أن يطالبه بما أنفق، إن نوى الرجوع عليه، وانظر الفتوى رقم: 18634. وأما أختك، فإن كان راتبها من عملها يكفيها للأكل، والشرب، والكسوة، ونحو ذلك من حاجاتها الأساسية، فلا تجب نفقتها على والديها، وانظر الفتوى رقم: 190697، وما أحيل عليه فيها.

ومجرد إنفاق والديك على أختك، أو إقراضها لا حرج فيه من حيث الأصل، ولا يدخل بالضرورة في تخبيب المرأة على زوجها، ما لم يقصدا بذلك تشجيعها على النشوز، لكن ينظر في ذلك إلى المصلحة، فإن كان ترك الإنفاق والإقراض يردعها عما هي فيه، فحينئذ يتعين ذلك.

5- إن كانت أختك وزوجها قد أهملا تربية أولادهما من الناحية السلوكية، فإنهما يتحملان إثم التقصير في ذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته. متفق عليه.

أما تحملهما إثم ذنوبهم المستقبلية فلا؛ لعموم قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}، والإنسان إنما يحاسب على تركه الإنكار الواجب، لا على ذنوب غيره، قال تعالى: وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأنعام:69}، ومن باب أولى فلا يتحمل والداك ذنوب أولاد أختك، ثم إن انحراف الأولاد إنما هو بسبب إهمال تربيتهم، لا بدعم أمهم.

6- في حالة عدم وجوب نفقة أختك على والديها، فلا يجوز لهما تخصيصها بالنفقة دون باقي أولادهما، وانظر الفتوى رقم: 255313، وكذلك لا يجوز تخصيصها بالقرض دون الباقين، كتخصيصها بسائر التبرعات، وانظر الفتوى رقم: 76687.

أما في حالة وجوب نفقتها عليهما، فلا يلزمهما التسوية بينها وبين سائر أولادهما، فالنفقة تكون بحسب الحاجة، ولا يعتبر فيها التساوي، بخلاف الهبات وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 188021 ،124575 وإحالاتهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني