الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يلزم القاضي إعطاء الزوجين فرصة للصلح؟ وحكم تطليقه في الحيض

السؤال

أنا من بلد عربي مسلم، وقانون الطلاق لدى محاكمنا يكون على الشكل التالي:
ترفع الدعوى للقاضي، فيعقد جلسة صلح، ثم يطلق عند فشلها، برغبة المدعي بعد حوالي شهر، أو شهرين دون مراعاة طهر الزوجة، والعدة، كما يترتب على المطلق مصاريف الطلاق، ونفقة عدة لثلاثة أشهر يدفعها للزوجة، تبدأ من تاريخ صدور الحكم بالطلاق، فكيف تؤخر العدة بعد تثبيت الطلاق، وربما أهمل الطلاق الرجعي الذي لعل الله يحدث فيه أمرًا؟ وهل القاضي آثم لعدم منحه فرصة للزوجين داخل بيت الزوجية، فهو قد قام بالصلح في مكتبه؟ وهل من اتبعه آثم؟ وماذا يفعل -حفظكم الله-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن الجهة التي تتكلم عنها إن كانت هي القضاء الوضعي، فهذا لا اعتبار لقضائه بالطلاق، وراجع الفتوى رقم: 65483، وإن كان المقصود القضاء الشرعي، فإنه أدرى بما يذهب إليه، فالمظنون به مراعاة الأحكام الشرعية.

وقد ندب الشرع إلى الصلح عند حصول النزاع بين الزوجين، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}، وقال أيضًا: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ{النساء:128}، وغالبًا ما يحتاج الصلح إلى طرف ثالث يقرب وجهات النظر، ويهدئ النفوس، وهذا الطرف الثالث قد يكون القاضي الشرعي، أو العقلاء من الناس.

ولا يلزم القاضي أن يعطي الزوجين فرصة للصلح بينهما في البيت، والغالب أن لا يصل الأمر إلى القاضي، إلا إذا لم يحصل التوافق بين الزوجين، فيبدأ بمحاولة الإصلاح بينهما، فمحاولته الإصلاح يعتبر إعطاء فرصة للزوجين، فإذا تحقق ذلك، فهو المقصود، وهو أولى من الفراق، ومن هنا أخبر الرب تبارك وتعالى بأن الصلح خير، هذا أولًا.

ثانيًا: من أهل العلم من ذهب إلى أن للقاضي أن يوقع الخلع في الحيض إذا طلبت الزوجة الطلاق؛ لكونه لمصلحتها، فإنه بذلك يبينها من زوجها، فلا سبيل له لرجعتها، قال ابن قدامة في الشرح الكبير: ولا بأس به في الحيض، والطهر الذي أصابها؛ لأن المنع من الطلاق في الحيض لأجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة، والمقام مع من تكرهه، وتبغضه، وذلك أعظم من ضرر طول العدة، فجاز دفع أعلاهما بأدناهما؛ ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها، ولأن ضرر تطويل العدة عليها، والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به، ودليلًا على رجحان مصلحتها فيه. اهـ.

ثالثًا: الطلاق الصادر بحكم من القاضي، تبدأ العدة فيه من تاريخ صدوره، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 111662، فلا ندري ما تعني بأنه تؤخر العدة بعد تثبيت الطلاق، وههنا أمر وهو أنه إذا لم يكن الحكم نهائيًا، وبقيت بعض الإجراءات لم يثبت الطلاق، فلم تثبت العدة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 195459.

رابعًا: الطلاق الذي يوقعه القاضي يقع بائنًا، فلا يكون رجعيًا، ومن هنا لا يكون للزوج حق الرجعة بعده، وانظر الفتوى رقم: 52538، وهنالك خلاف بين الفقهاء، هل للبائن حق في النفة والسكنى أم لا؟ وقد بيناه في الفتوى رقم: 12274، فإذا حكم القاضي بحكم، فحكمه رافع للخلاف في المسائل الاجتهادية، كما بينا في الفتوى رقم: 205018، ولا ندري ما تعني بمصاريف الطلاق التي يدفعها المطلق، وحقوق المطلقة معروفة، وقد بينها الفقهاء فراجع فيها الفتوى رقم: 9746.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني