الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مواطن الإشارة بالسبابة ورفع اليدين في الدعاء

السؤال

ما هي مواطن رفع الإصبع في الدعاء؟ وهل يغني رفع الإصبع في حال الدعاء عن رفع اليدين مطلقا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيشرع رفع سبابة اليد اليمنى للدعاء أو الإشارة إلى التوحيد؛ فقد وردت السنة بذلك في الخطبة، وفي التشهد في الصلاة، وخارج الصلاة؛ فعن عمارة بن رويبة: أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة. رواه مسلم.
وعن وائل بن حجر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ثم رفع أصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها. رواه أبو داود، والدارمي، وصححه الألباني في صفة الصلاة.

وجاء في منتهى الإرادات للبهوتي الحنبلي: "وَيُشِيرُ بِسَبَّابَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى بِأَنْ يَرْفَعَهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ لَهَا... يُشِيرُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ فِي تَشَهُّدِهِ وَدُعَائِهِ مُطْلَقًا.. فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ ذِكْرِ لَفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا: «كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُحَرِّكُهَا إذَا دَعَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعِي. فَقَالَ: أَحَدٌ أَحَدٌ, وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ". اهـ

وفي خصوص قولك: وهل يغني رفع الإصبع في حال الدعاء عن رفع اليدين مطلقا؟ فجوابه: أن رفع اليدين ليس بواجب، ولكنه قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إظهارًا للذُّلِّ والانكسار، والفقر إلى الله -سبحانه-، وتَضَرُّعًا، واستجداءً لنَوَالِهِ، وهو من آداب الدعاء المتفق عليها. والمسلم في حال العبادة ينبغي أن يدور مع السنة حيث دارت؛ جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: ويسن للداعي رفع يديه والابتداء بالحمد لله والثناء عليه، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يختمه بذلك كله وبالتأمين.. وفيها أيضا: وأما رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه في الدعاء: فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة. اهـ.
وجاء في الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج للسيوطي: كَانَ لَا يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء؛ قَالَ النَّوَوِيّ: ظَاهره يُوهم أَنه -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- لم يرفع إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء! وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فقد ثَبت رفع يَدَيْهِ فِي الدُّعَاء فِي مَوَاطِن غير الاسْتِسْقَاء، وَهِي أَكثر من أَن تحصر، فيتأول هَذَا الحَدِيث على أَنه لم يرفع الرّفْع البليغ بِحَيْثُ يرى بَيَاض إبطَيْهِ إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء أَو المُرَاد: لم أره يرفع، وَقد رَآهُ غَيره يرفع، فَيقدم المثبتون فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وهم جماعات على وَاحِد لم يحضر ذَلِك. قلت: أَو المُرَاد: رفع خَاص، وَهُوَ الرّفْع بِظَاهِر الْكَفَّيْنِ... اهـ.

فعلم من جميع ما ذكر أن رفع الإصبع في حال الدعاء لا ينبغي الاستغناء به عن رفع اليدين مطلقا، بل يفعل هذا في المواطن التي ثبت فيها، ويفعل ذلك فيما ثبت أنه مشروع فيه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني