الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أرجو من فضيلتكم توضيح متى يحق لنا الجمع في الصلوات المكتوبة بسبب الأحوال الجوية، حيث إن الكثير من المساجد أخذت الجمع بالصلوات عادة؟.
ولكم جزيل الشكر وحسن الثواب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فيجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء في وقت إحداهما بسبب المطر الذي يبل الثياب ويتأذى بالمشي فيه، وكذا يجمع بينهما بسبب البرد والوحل الذي يتأذى به الإنسان، قال ابن قدامة في المغني:
وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَطَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفَعَلَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ... وَالْمَطَرُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا (يَبُلُّ) الثِّيَابَ، وَتَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِالْخُرُوجِ فِيهِ، وَأَمَّا الطَّلُّ، وَالْمَطَرُ الْخَفِيفُ الَّذِي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ فَلَا يُبِيحُ، وَالثَّلْجُ كَالْمَطَرِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْبَرَدُ، فَأَمَّا الْوَحْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَقَالَ الْقَاضِي: قَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ بِذَلِكَ فِي النِّعَالِ وَالثِّيَابِ، كَمَا تَلْحَقُ بِالْمَطَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهًا ثَانِيًا، أَنَّهُ لَا يُبِيحُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّ مَشَقَّتَهُ دُونَ مَشَقَّةِ الْمَطَرِ، فَإِنَّ الْمَطَرَ يَبُلُّ النِّعَالَ وَالثِّيَابَ، وَالْوَحْلُ لَا يَبُلُّهَا، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَحْلَ يُلَوِّثُ الثِّيَابَ وَالنِّعَالَ، وَيَتَعَرَّضُ الْإِنْسَانُ لِلزَّلَقِ، فَيَتَأَذَّى نَفْسُهُ وَثِيَابُهُ، وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ الْبَلَلِ... اهــ

وجوز بعض الفقهاء أيضا الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر ولم يخصوه بالمغرب والعشاء، وهذا مذهب الشافعية، واختيار الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ، قال النووي في المجموع :
أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المطر، وحكي إمام الحرمين قولا أنه يجوز بين المغرب والعشاء في وقت المغرب ولا يجوز بين الظهر والعصر وهو مذهب مالك وقال المزني لا يجوز مطلقا والمذهب الأول ... اهــ
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ عن الجمع لأجل المطر: أما الصلاة التي تجمع فالمشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه لا جمع بين الظهر والعصر للمطر وشبهه, وإنما يجمع بين المغرب والعشاء, ولكن الصحيح: أنه يجمع بين المغرب والعشاء, وبين الظهر والعصر؛ لأن العلة هي المشقة متى وجدت في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء جاز الجمع. اهـــ
وانظر الفتوى رقم: 57682، عن الجمع بسبب الريح الشديد والغبار، والفتوى رقم: 144835، عن مذاهب العلماء في جمع الصلوات لأجل البرد.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني