الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود طاعة ولي الأمر وكيفية تقويمه إذا اعوجّ

السؤال

في موضوع طاعة ولي الأمر، هل يوجد طريق وسط بين الخروج وبين الطاعة المطلقة؟ أرجو ذكر الآيات والأحاديث والآثار الدالة على هذا الطريق إن وجد.
وكيف يقوّم اعوجاج ولي الأمر، مع ذكر الأدلة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس هناك طاعة مطلقة إلا لله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم، وأما طاعة ولي الأمر المسلم: فإنها تابعة لطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن أمر بمعصية فلا طاعة له، وإن حصل نزاع رُدَّ الأمر للكتاب والسنة، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] قال الشيخ الشنقيطي في (أضواء البيان): كرر الفعل بالنسبة لله وللرسول، ولم يكرره بالنسبة لأولي الأمر; لأن طاعتهم لا تكون استقلالًا، بل تبعًا لطاعة الله، وطاعة رسوله، كما في الحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». اهـ.

والأصل الجامع في ذلك هو: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه. قال القرطبي في (المفهم): يعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية. اهـ.

وقال السعدي في (بهجة قلوب الأبرار): هذا الحديث قيد في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين، والزوج، وغيرهم؛ فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف. فإن الشارع رد الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل، والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله ... اهـ.
ثم إن عدم طاعة ولي الأمر المسلم في المعصية لا يستلزم الخروج عليه، كما هو ظاهر؛ قال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث) عند حديث: "سيكون عليكم أئمة؛ إن أطعتموهم غويتم، وإن عصيتموهم ضللتم": ليس في هذا الحديث تناقض مع التأويل. ومعناه فيما يرى: أنهم إن أطيعوا في الذي يأمرون به من معصية الله تعالى وظلم الرعية وسفك الدماء بغير حقها، غوى مطيعهم. وإن عصوا فخرج عليهم وشقت عصا المسلمين -كما فعل الخوارج-، ضل عاصيهم. والذي يؤول إليه معنى الحديث: أنه لا يعمل لهم، ولا يخرج عليهم. اهـ.

ويشهد لذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه يستعمل عليكم أمراء؛ فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع. رواه مسلم. قال السيوطي في (الديباج): أي: هو المؤاخذ المعاقب. اهـ. وقال الشيخ/ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في (المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد): الإنكار يجب مع الاستطاعة، والكراهة هي أضعف الإيمان، وأما الرضا بالمنكر والمتابعة عليه فهو الهلاك الذي لا يرجى معه فلاح. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 216631، 194295، 195253، 216703.

وأما تقويم اعوجاج ولي الأمر المسلم: فإنه يكون أولاً بعدم متابعته على خطئه ومعصيته -كما سبقت الإشارة إليه-، ثم بمناصحته ودعوته إلى الخير، وأمره بالمعروف، ونهيهه عن المنكر، بقدر الطاقة والوسع، مع مراعاة الضوابط الشرعية في هذا الأمر، وينبغي تحري الحكمة والأسلوب الحسن في النصح، وهذا مطلوب في نصح عامة المسلمين، ولكنه يتأكد في حق ذوي الجاه والسلطان منهم؛ روى ابن أبي عاصم في السنة عن عياض بن غنم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه. وصححه الشيخ الألباني في ظلال الجنة.

وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 131052، 166057، 130110، 5870، 64926.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني