الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أرجو التكرم بإفادتي حول كيفية الحج عن الصبي الذي لم يبلغ التمييز (7 شهور) من نية وطواف وسعي، وهي أنثى. فهل عليها تغطية الرأس؟ وكيف التقصير لها؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلقرب موسم الحج، ولعموم الحاجة لمعرفة كيف يحج الصبي، رأينا أن نعمم الإجابة للفائدة فنقول:

قد روى مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: لقي ركباً بالروحاء، فقال: من القوم؟ فقالوا: من أنت؟ فقال: رسول الله، فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر.

ففي هذا الحديث دليل على أن الصبي يصح منه الحج، ونقل عليه الإجماع غير واحد من أهل العلم، ولا تجزئ هذه الحجة عن حجة الإسلام، حكاه الترمذي إجماعاً؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى... رواه ابن أبي شيبة. وقد صححه جمع من أهل العلم منهم الحافظ ابن حجر في التلخيص، والألباني في الإرواء.

وإذا بلغ الصبي قبل أن يحرم، فأحرم بالحج ونوى به حجة الإسلام وأتى بأركانه، فلا خلاف بين أهل العلم في وقوعها عن حجة الإسلام.

أما إذا بلغ بعد أن تلبس بالإحرام قبل فوات وقت الوقوف بعرفة، فقد اختلف أهل العلم في إجزاء تلك الحجة عن حجة الإسلام، والصحيح من هذه الأقوال أنه يجزئه إذا بلغ في عرفة أو قبلها أو بعد خروجه منها إذا عاد فوقف في وقت الوقوف وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الحج عرفة، فمن جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه. رواه أحمد.
وإن بلغ بعد فوات وقت الوقوف بعرفة، فلا يجزئه عن حجة الإسلام بلا خلاف.

واتفق أهل العلم على وجوب عقد نية الإحرام في بداية دخول الصبي في النسك، مثله مثل غيره من البالغين، وقد فرق أهل العلم بين أن يكون الصبي مميزاً أو غير مميز، فأما المميز، فإنه يحرم بنفسه بإذن وليه ويصح إحرامه في قول عامة أهل العلم.

وأما إحرام غير المميز، فقد اتفق أهل العلم على أنه لا ينعقد إحرامه بنفسه، وإنما يحرم عنه وليه، بأن ينوي إدخال الصبي في مناسك الحج. وقد اختلف أهل العلم: هل يشترط أن يكون الولي قد أحرم عن نفسه أَولاً أم لا؟ على قولين، والصحيح أنه ليس بشرط، فعلى هذا يصح أن يعقد الولي الإحرام عن الصبي، سواء كان الولي محرماً أو حلالاً، ممن عليه حجة الإسلام، أو كان قد حج عن نفسه وهو مذهب الحنابلة وغيرهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفسر من المرأة هل أحرمت أولاً أم لا؟ وهل حجت عن نفسها أم لا؟

وأما هيئة الصبي حال الإحرام، فيغسله الولي عند إرادة الإحرام ويجرده من المخيط، ويلبسه الإزار والرداء والنعلين إن كان يستطيع المشي، ويطيبه وينظفه وهكذا الأنثى، غير أن الأنثى لا تمنع من لبس المخيط، ثم يحرم بإذن الولي إن كان مميزاً، وإلا أحرم عنه وليه كما سبق، وما عجز عنه الصبي من أعمال الحج، عمله عنه الولي، فإن كان لا يستطيع التلبية، لبى عنه وليه، ويشهد لهذا حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم. رواه أحمد وابن ماجه.

ويلزم الولي أن يجنب الصبي محظورات الإحرام من التطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس للذكر وحلق الشعر وتقليم الأظافر والصيد وتغطية الوجه للأنثى، ولا تمنع الأنثى من تغطية رأسها.

وإذا ارتكب الصبي شيئاً من محظورات الإحرام، فهل يلزمه في ذلك ما يلزم الكبير؟ اختلف أهل العلم في ذلك على قولين، والصحيح أنه لا يلزمه شيء من ارتكاب المحظورات، وهو قول الحنفية وابن حزم، ومال إليه صاحب الفروع من الحنابلة.

وإذا أحرم الصبي بالحج هل يلزمه إتمام ما أحرم به؟ اختلف أهل العلم على قولين، والصحيح عدم لزوم المضي فيما أحرم به الصبي، وذلك لأن الصبي ليس من أهل الالتزام، ولأن ذلك أرفق بالناس، فقد يظن الولي أن الحج بالصبي سهل، ثم يتبين له أن الأمر بخلاف ذلك، وهذا مذهب الحنفية، وقول صاحب الفروع من الحنابلة، واختاره من المتأخرين الشيخ ابن العثيمين رحمه الله.

وأما الطواف، فإن كان يستطيع المشي مشى، وإلا طيف به محمولاً، ويجزئ أن يطوف به وليه ويقع الطواف عنهما، وبه قال الحنفية، لأن كل واحد منهما طائف بنية صحيحة، فأجزأ الطواف عنه، كما لو حمله بعرفات، قال في كنز الحقائق: وذكر الإسبيجابي: ومن طيف به محمولاً أجزأه ذلك عن الحامل والمحمول جميعاً.
ومما يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته: ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر.
فترك النبي صلى الله عليه وسلم، بيان هل تطوف عنه طوافاً مستقلاً، وتسعى عنه سعياً مستقلاً أو يمكنها أن تطوف به محمولاً، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فدل هذا على أنه يجزئ الطواف الواحد عنهما معاً والسعي الواحد عنهما معاً، وأن لها أن تطوف وتسعى به محمولاً.

وإن كان الصبي مميزاً أمره وليه أن يصلي ركعتين بعد الطواف، وإن كان الصبي غير مميز لم يصل عنه الولي ركعتين وهذا مذهب الجمهور.

وأما بالنسبة للوقوف بعرفة والمبيت في مزدلفة ومنى، فيلزمه في ذلك ما يلزم الكبير، ويجوز للصبي ووليه الدفع قبل الناس ليلة المزدلفة ورمي جمرة العقبة بعد نصف الليل، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.متفق عليه.

ويحلق الولي أو يقصر رأس الصبي والحلق أفضل، وإن كان أنثى أخذ من شعرها قدر أنملة.

وأما رمي الجمار، فإن قدر الصبي على الرمي بنفسه أمره الولي به وإلا رمى عنه الولي.

ونسأل الله لنا ولكم حجاً مقبولاً وذنباً مغفوراً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني