الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قصة أبي جهل التي توعد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذى إذا صلى عند الكعبة

السؤال

انتشرت هذه القصة على صفحات الإنترنت.
فهل ما فيها صحيح، وما حكم نشرها؟
أعجبتني جدا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الصلاة عند الكعبة، فقال له أبو جهل: يا محمد إذا سجدت عند الكعبة، فسوف أدوس على رأسك.
فلم يطعه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة ليصلّي، فقال أبو جهل مرّة أخرى: يا محمد إذا سجدت عند الكعبة، فسوف أدعو جميع قريش ليروا كيف سأدوس على رأسك، ولم يطعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأ بالصلاة، فدعا أبو جهل قريشا، فعندما سجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ذهب إليه أبو جهل، فعندما اقترب أبو جهل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقف صامتا ساكنا لا يتحرك، ثم بدأ بالرجوع، فقالت له قريش: يا أبا جهل ها هو الرسول صلى الله عليه وسلم لمَ لمْ تدس على رأسه، وتراجعت؟؟
قال أبو جهل: لو رأيتم ما رأيته لبكيتم دماً.
قالوا: وما رأيت يا أبا جهل؟؟
قال: إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً، وأجنحة.
قال رسول الله صلى عليه وسلم: " لو فعل لأخذته الملائكة عياناً "
تفسير الآيات:
أمر أبو جهل بدعوة قريش بقوله تعالى:" فليدع نادية" فرد عليه رب العالمين: إذا جمعت أهل قريشا، فسوف أجمع ملائكة العذاب ليمنعوك بقوله تعالى: "سندع الزبانية" فقال الله لرسوله: اسجد ولا تطعه، وسوف أحميك، بقوله تعالى: كلا لا تطعه واسجد واقترب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه الواقعة المذكورة في هذه الرسالة صحيحة، قد رواها غير واحد من أهل الحديث على اختلاف في بعض ألفاظها، وكذلك التفسير المذكور لآيات سورة العلق تفسير صحيح؛ ولذا فنشرها من نشر العلم، والخير بإذن الله.
ونلخص لك ما ذكره ابن كثير في تفسيره موافقا لما ذكر في السؤال.

حيث قال رحمه الله: قَالَ تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى} نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ، تَوَعَّدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ الْبَيْتِ، فَوَعَظَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَوَّلًا فَقَالَ: {أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} أَيْ: فَمَا ظَنُّكَ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَنْهَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ فِي فِعْلِهِ، أَوْ {أَمَرَ بِالتَّقْوَى} بِقَوْلِهِ، وَأَنْتَ تَزْجُرُهُ وَتَتَوَعَّدُهُ عَلَى صِلَاتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} أَيْ: أَمَا عَلِمَ هَذَا النَّاهِي لِهَذَا الْمُهْتَدِي، أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ، وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَسَيُجَازِيهِ عَلَى فِعْلِهِ أَتَمَّ الْجَزَاءِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا وَمُتَهَدِّدًا: {كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} أَيْ: لَئِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الشِّقَاقِ وَالْعِنَادِ {لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} أَيْ: لنَسمَنَّها سَوَادًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} يَعْنِي: نَاصِيَةَ أَبِي جَهْلٍ كَاذِبَةً فِي مَقَالِهَا، خَاطِئَةً فِي فعَالها. {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أَيْ: قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ، أَيْ: لِيَدَعُهُمْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ، {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ يغلبُ: أحزبُنا أَوْ حِزْبُهُ ... وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- من طريق داود بن أبي هند، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ -وَتَوعَّده- فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتهره، فقال: يا محمد، بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ ...

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يعفِّر مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، ولأعفِّرن وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجأهم مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدقا مِنْ نَارٍ، وهَولا، وَأَجْنِحَةً. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا". قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ -لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا-: {كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ...

وَقَوْلُهُ: {كَلا لَا تُطِعْهُ} يَعْنِي: يَا مُحَمَّدُ، لَا تُطِعْهُ فِيمَا يَنْهَاكَ عَنْهُ مِنَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَكَثْرَتِهَا، وصلِّ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا تُبَالِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَافِظُكَ وَنَاصِرُكَ، وَهُوَ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني