الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فوات الصلاة بسبب النوم بين العذر وعدمه

السؤال

ما صحة هذه الفتوى -بارك الله فيكم-:
"أفتى كثير من أهل العلم المعتبرين أن من ينام عن صلاة الفجر متعمدا، ولا يصليها إلا بعد طلوع الشمس نتيجة لتفريطه في الأخذ بأسباب الاستيقاظ كـ: توقيت المنبه، والنوم مبكرا، وغيرها من الأسباب، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا أشد من القتل، والزنا، وشرب الخمر، ويلزمه التوبة النصوح"؟
وهل لي أن أنشرها كما هي لتعم الفائدة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلا نرى نشر الفتوى المشار إليها؛ لأن فيها إجمالًا ربما يفهم منه غير مراد قائله، والذي قال عنه العلماء إنه شر من الزاني والقاتل هو تارك الصلاة عمدًا حتى يخرج وقتها، وليس من نام قبل الوقت وغلبه النوم، وفرط في اتخاذ الأسباب؛ قال ابن القيم -رحمه الله- في أول كتاب الصلاة: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة. انتهى.

وأما النوم: فإن النوم الذي تفوت بسببه الصلاة منه ما يعذر فيه الإنسان، ومنه ما لا يعذر فيه الإنسان، على ما بيناه في الفتوى رقم: 230932. ومن نام قبل دخول الوقت وغلب على ظنه أنه لا يستيقظ في الوقت لم يمتنع عليه النوم عند الفقهاء، وهذا إذا نام ولم يستيقظ، لا يقال: إنه أشد إثمًا من القاتل والزاني؛ قال السيوطي في الأشباه والنظائر: ولو أراد أن ينام قبل الوقت وغلب على ظنه أن نومه يستغرق الوقت لم يمتنع عليه ذلك؛ لأن التكليف لم يتعلق به بعد، ويشهد له ما ورد في الحديث أن امرأة عابت على زوجها بأنه ينام حتى تطلع الشمس فلا يصلي الصبح إلا ذلك الوقت، فقال: إنا أهل بيت معروف لنا ذلك -أي: ينامون من الليل حتى تطلع الشمس-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا استيقظت فصلِّ. انتهى.

وهذا الحديث قد أخرجه أبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، وقد صححه الشيخ/ الألباني.

وقال الدردير في شرحه لمختصر خليل المالكي: ولا إثم على النائم قبل الوقت ولو علم استغراق الوقت، وأما لو دخل الوقت: فلا يجوز بلا صلاة إن ظن الاستغراق. اهـ.

وقال الإمام الشوكاني شارحًا حديث: إنه لا تفريط في النوم.... قال:
ظاهر الحديث: أنه لا تفريط في النوم، سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده، قيل: تضيقه، وقيل: إذا تعمد النوم قبل تضيِّق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة، لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت، كان آثمًا. والظاهر: أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم؛ لأنه فعله في وقت يباح فعله فيشمله الحديث، وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك، ولا شك في إثم من نام بعد تضيق الوقت لتعلق الخطاب، والنوم مانع من الامتثال، والواجب إزالة المانع. اهـ.

وانظر الفتوى رقم: 138634.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني