الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يوجد للإمام أحمد رواية خالف فيها الإجماع؟

السؤال

هل يوجد للإمام أحمد رواية خالف فيها الإجماع؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالإجماع حجة معتبرة، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 28730.

وكان الإمام أحمد يشدد في القول الشاذ، ويقول: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.

ولذلك ذكر شيخ الإسلام مسألة، نُسِب لأحمد فيها مخالفة السلف، فقال: وحمل كلام الإمام على ما يصدق بعضه بعضًا أولى من حمله على التناقض، لا سيما إذا كان القول الآخر مبتدعًا لم يعرف عن أحد من السلف، وأحمد يقول: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، وكان في المحنة يقول: كيف أقول ما لم يقل، واتباع أحمد للسنة، والآثار، وقوة رغبته في ذلك، وكراهته لخلافه من الأمور المتواترة عنه، يعرفها من يعرف من الخاصة والعامة. انتهى.

ولكن قد يظن الظان أن المسألة مجمع عليها، وأن أحمد خالف الإجماع؛ فمثلًا، قال النووي في المجموع: وَقَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ هَكَذَا عَادَةُ أصحابنا، يَقِيسُونَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قَبْلَ مُخَالَفَةِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. انتهى.

وقال الغزالي في المستصفى: فقيل لهم: هذا خلاف إجماع السلف، فإنهم ما أمروا الظلمة عند التوبة بقضاء الصلوات المؤداة في الدور المغصوبة، مع كثرة وقوعها، ولا نهوا الظالمين عن الصلاة في الأراضي المغصوبة. انتهى.

فمفاد العبارتين أن أحمد ذكر قولًا مخالفًا للإجماع، وليس كذلك، فليس مقصودهم الإجماع الصريح المنقول؛ وقد دفع الإمام أبو المظفر السمعاني الشافعي وقوعَ هذا الإجماع، وقال في قواطع الأدلة: وعندي أن هذه الحجة ضعيفة؛ لأنهم يقولون: لا إجماع، وقد بينّا خلاف ذلك، وقولهم: إنه لم يُنقل عن أحد من السلف ذلك، قالوا: كما لم يُنقل الفساد لم يُنقل الجواز، فلعلهم لو سُئلوا لأفتوا ببطلان صلاته، قالوا: والظاهر ذلك؛ لأن الدليل معنا في هذه المسألة، فما كنّا نظن بسلفنا الصالح أنهم يتركون مثل الذي قدمناه، وأقمناه إلى ما لا دليل عليه، بل هو مجرّد دعوى. انتهى.

فعُلِم أن الإمام أحمد لم يخالف إجماعًا صريحًا منقولاً، ولكن ما يظنه غيره إجماعًا.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وَنُصُوصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ. انتهى.

والإمام أحمد كان من أعلم الناس بمذاهب السلف، فربما يخالف عامة معاصريه في مسائل، ولكن هو فيها موافق لأقوال الصحابة، والتابعين.

وقد يقع له الخطأ ـ رحمه الله ـ في مسائل، ولكن لا نعرف مسألة بعينها صح الإجماع فيها بخلاف قوله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني