الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سؤال إبراهيم (رب أرني كيف تحيي الموتى) في ظل قوله تعالى (لا يسأل عما يفعل)

السؤال

يقول الله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}، ويقول أيضا -جل وعلا- رادًّا على سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}. فهل نبي الله إبراهيم والأنبياء مستثنون من الآية فيَسألون؟
وفي تفسير القرآن العظيم ما معنى قول ابن عباس: إن هذه الآية - (آية: أولم تؤمن)- أرجى عنده من آية:(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) ما المقصود بكلمة: "أرجى"؟
وبخصوص الاطمئنان -(بلى ولكن ليطمئن قلبي)- فبعد قراءتي لتفسير الطبري لهذه الآية من موقعكم، وتفسير القرطبي لآية: (فأ

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالسؤال لم يكتمل، وسنحاول الإجابة على ما وصلنا منه -إن شاء الله-، فنقول:

أولًا: سؤال سيدنا إبراهيم الذي حكاه الله تعالى عنه في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي .. {البقرة:260}، ليس من باب السؤال الذي نفاه الله في قوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

فسؤال سيدنا إبراهيم من باب السؤال لطلب العلم وزيادته، وتحري عين اليقين بالمشاهدة، والسؤال في الآية الثانية بمعنى المحاسبة، وإبداء الأسباب والأعذار، وما شابه؛ يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير -معلقًا على الآية الثانية-: والسؤال هنا بمعنى المحاسبة، وطلب بيان سبب الفعل، وإبداء المعذرة عن فعل بعض ما يفعل، وتخلص من ملام أو عتاب على ما يفعل. وهو مثل السؤال في الحديث: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته. فكونهم يسألون كناية عن العبودية؛ لأن العبد بمظنة المؤاخذة على ما يفعل وما لا يفعل، وبمظنة للخطأ في بعض ما يفعل.

وليس المقصود هنا نفي سؤال الاستشارة أو تطلب العلم كما في قوله تعالى: قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها -في البقرة-، ولا سؤال الدعاء، ولا سؤال الاستفادة والاستنباط، مثل أسئلة المتفقهين أو المتكلمين عن الحكم المبثوثة في الأحكام الشرعية أو في النظم الكونية؛ لأن ذلك استنباط وتتبع، وليس مباشرة بسؤال الله تعالى، ولا لتطلب مخلص من ملام. اهـ.

وبهذا تعلم أن سؤال إبراهيم -عليه السلام- ليس من هذا الباب، وإنما هو من باب طلب زيادة العلم للحصول على عين اليقين بعد أن حصل عنده علم اليقين.

ومعلوم أن سؤال الله تعالى آية من الآيات مشروع لآحاد الناس كما هو مشروع للأنبياء، سواء كان ذلك طلبًا لزيادة الإيمان، أو لدعوة الناس للإسلام. وقد قدمنا تفصيل الكلام على ذلك وأدلته في الفتويين التاليتين: 258277، 14241.

ثانيًا: قد بين المفسرون المقصود بقول ابن عباس -رضي الله عنهما- إن هذه الآية هي أرجى آية، يقول الشوكاني في فيض القدير: وأما قول ابن عباس: هي أرجى آية، فمن حيث إن فيها الإدلال على الله وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك. ويجوز أن نقول: هي أرجى آية لقوله: أولم تؤمن أي: أن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث.. اهـ. وجاء نحو هذا في تفسير القرطبي.

وورد في تفسير ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح -كاتب الليث-، حدثني ابن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر، أنه قال: التقى عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، فقال ابن عباس لابن عمرو بن العاص: أي آية في القرآن أرجى عندك؟ فقال عبد الله بن عمرو: قول الله -عز وجل-: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله..} الآية. فقال ابن عباس: لكن أنا أقول : قول الله: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى} فرضي من إبراهيم قوله: {بلى} قال: فهذا لما يعترض في النفوس ويوسوس به الشيطان. اهـ.

هذا؛ وننبه إلى أنه ورد عن ابن عباس أيضًا أن أرجى آية هي قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ {الرعد:6}؛ يقول القرطبي في تفسيره: وقال ابن عباس: أرجى آية في كتاب الله تعالى: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني