الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في إدخال البهائم للمسجد الحرام

السؤال

تجادلت أنا وصديق لي في حكم الطواف على بعير (وهو يقصد البعير كالحمار والبغل وغيره، ولا يقصد الكرسي مثلًا) في الوقت الحالي، فهو يقول: إن ذلك جائز لفعل النبي له. وأنا أقول: إنه لا يجوز أن ندخل المسجد الحرام الآن على بعير؛ لحتمية تلوث المكان، ولصعوبة دخول الدابة إلى المسجد، وأن النبي فعل ذلك لعذر أن يقتدي الناس به -كما قرأت-.
فهل يجوز الطواف على بعير أم لا طبقًا لإجماع العلماء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالطواف على بعير في أصله جائز؛ لورود ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى الشيخان من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ.

وقد اتفق الفقهاء على طواف الراكب إذا كان له عذر، واختلفوا فيمن ليس له عذر، كما بيناه في الفتوى رقم: 144947. كما نص أهل العلم أيضًا على كراهة إدخال البهائم للمسجد؛ قال النووي في المجموع:
يُكْرَهُ إدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُمْ إيَّاهُ، ولا يحرم ذلك؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ، فَإِنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ. اهـ.

وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ دُخُولُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِ نَقْلِ حِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ إلَيْهِ خَوْفَ أَنْ تَبُولَ فِيهِ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى بَأْسًا بِدُخُولِ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ لِكَوْنِ أَرْوَاثِهَا طَاهِرَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ.

ولكن هذا الذي قاله الفقهاء إنما هو بناء على الأصل، وما كان عليه حال المسجد الحرام في زمانهم، وقد اختلف الزمن الآن كما اختلف حال الناس؛ فإدخال بعير للمسجد الحرام -لو فُرض إمكانه- يترتب عليه مفاسد من تلويث الفرش، وتهييج الناس، وغير ذلك. ثم إنه لا ينبغي الجدال فيما لا يترتب عليه عمل، والطواف على البعير يتعذر في هذا الزمن -كما هو معلوم-، فما فائدة الجدال والخصومة فيه؟! ولو اشتغلتم بما ينفع لكان أولى وأحرى بكم.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني