الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الوساوس والتفريط في الصلاة

السؤال

أنا شاب عمري 20 سنة، بدأت أداوم على الصلاة منذ حوالي سنتين، بعدما كنت أقوم بأفعال سيئة.
وبعدما بدأت في المداومة على الصلاة، بدأ يأتيني شك أني نسيت واجبا من واجبات الصلاة، ثم شك في الوضوء، فأصبحت أظن أني لن أصلي، أو لن أتوضأ جيدا، أو أني أحدثت؛ مما جعلني دائم التأكد، والقلق كلما قمت بتلك العبادة، وكانت مع ذلك تأتيني (أحيانا) في بالي صور لأشخاص (ولكل ما شاهدته في التلفزة من رسوم متحركة وغيرها من الصور) عندما كنت أريد أن أصلي، فكانت تلتصق بذهني، وتعرقل صلاتي. إلى أن تذكرت ذات يوم فاحشة (تتطلب الحد، وطلب السماح) قمت بها في سن المراهقة، فعمني الحزن، وزادت مع ذلك وساوسي، فأصبحت لا أستطيع أن أصلي دون تذكر ذلك الفعل، ودون أن ينتابني القلق، ووساوس الشك، لذلك كنت أطلب من أفراد عائلتي أن يراقبوني عند كل صلاة، ووضوء لكي أتأكد من صحتهما، لكن أصبح الأمر مزعجا لهم، فتركوني؛ فتركت الصلاة، إلى أن أتت في بالي كلمة كفر، فاغتسلت، ونطقت بالشهادتين، وعزمت على أن أعود إلى الصلاة، وأن أداوم عليها، ولكن سرعان ما بدأت تأتيني وساوس أخرى، وهي أني كنت أشعر بأن هناك شيئا يخرج مني (مني، أو مذي) فأصبحت أفتش ثيابي قبل الصلاة، وعند الاستيقاظ صباحا حتى أتأكد من طهارتي، فلم تكن هناك بقعة إلا وحاولت التأكد من أنها ليست نجسة، وأصبحت لا أصدق نفسي في ما يخص طهارتي، وأُبذِّر وقتا طويلا، فتركت الصلاة من جديد، وأصبحت كلما شككت في طهارتي، أطلب المساعدة من أفراد عائلتي لكي ينظروا إلى ثيابي هل فيها نجاسة، وأصبحت أخشى أن أذهب إلى الخلاء خوفا من أن أجد نجاسة في ثيابي، وأخشى أن ألوث المحيط الذي أعيش فيه؛ ما يجعلني أغسل يدي عدة مرات، حتى أصبحت خطوط بشرتي بيضاء بفعل الصابون. زيادة على ذلك كانت تأتيني كلمات كفر في ذهني، كنت أحاول محاربتها بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وأدعية، وأقوال معاكسة لها، أصبحت نتيجة هذه الحالة أبتعد عن مولاي سبحانه وتعالى، بل أسوأ من هذا يأتيني شعور بأني سأضحك عندما تأتيني تلك الأقوال السيئة، فعزمت على الرجوع إلى الطريق الصحيح، فبدأت بالصلاة، فذهبت عني تلك الوساوس، ولكن بسبب الكسل تركت الصلاة، فعادت إلي الأقوال السيئة، وتدهورت الأحوال، وأصبحت أعيش اضطرابا يوميا، وأشعر بأني لا أحب مولاي (والعياذ بالله). وأظن بأني قد ارتددت عن الإسلام بسبب ما أصبحت أقول في ذهني.
السؤال المطروح: كيف أقضي على هذه الظواهر؟ كيف أتطهر من الأعمال السيئة التي قمت بها، وكيف أرجع إلى مولاي حتى يهديني إلى الطريق الصحيح؟
أشكركم لانتباهكم، وقراءتكم لسؤالي.
أتمنى لكم التوفيق في مشروعكم هذا، مع مزيد من الأجر إن شاء الله.
وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك الشفاء والعافية، ثم إن الذي يظهر لنا أن ما يقع منك هو من الوساوس، التي يجب دفعها، والإعراض عنها، فما صدر منك في الصبا لا مؤاخذة فيه، ولا تحصل الردة بما يخطر على بالك مما لم تتكلم به.

وعليك بالتعوذ من الشيطان ووسوسته، وشركه، والمواظبة على الاشتغال بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والحفاظ على صلاة الجماعة، وكثرة الاستغفار، والدعاء بما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه أبا بكر ـرضي الله عنه- حيث قال له: والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.

وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: جاء نَاسٌ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ في أَنْفُسِنَا ما يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قال: وقد وَجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نعم. قال: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ.

وروى أيضاً عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال: رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَزَالُ الناس يَتَسَاءَلُونَ، حتى يُقَالَ: هذا خَلَقَ الله الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ من ذلك شيئا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ. وفي رواية: فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وأما قوله: فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله. وفي الرواية الأخرى: فليستعذ بالله، ولينته. فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه. اهـ.
وأما ترك الصلاة في بعض أحيانك، فعالجه بكثرة النظر في الترغيب في الصلاة، والطاعات، مع النظر في الترهيب من تركها، وواظب على فعلها في الجماعة؛ فإن المصلي مع الجماعة سيقوم بها على الوجه المطلوب إن شاء الله.

وأما الشكوك، والوساوس في الطهارة، والصلاة فلا علاج له سوى الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، فكلما عرضت لك هذه الوساوس، وأوهمك الشيطان تركا لبعض الأفعال، فجاهد نفسك على تجاهلها، وألا تعيرها اهتماما، وإذا وسوس لك الشيطان بإعادة عمل ما من أعمال الوضوء، أو الصلاة فلا تسترسل مع هذا الوسواس، ولا تستجب لما يلقيه الشيطان في قلبك من هذه الشكوك، فإذا فعلت هذا مستعينا بالله تعالى، أذهب الله عنك ما تجد من الوساوس، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا، كما ننصحك بمراجعة الأطباء الثقات.

ولمزيد الفائدة حول كيفية علاج الوسوسة انظر الفتوى رقم: 51601، والفتوى رقم: 134196

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني