الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في إخفاء العمل الصالح بالمعاريض لا بالكذب

السؤال

كنتم قد نصحتموني من قبل أن أخفي العمل الصالح في سبيل تحقيق الإخلاص، فهل يجوز الكذب على الأهل من أجل إخفاء العمل الصالح؟ فكثيرا ما أكون خارج المنزل وأنظف حمامات المسجد، وإذا ما سألوني أين كنت؟ أقول كنت مع صديقي، ومواقف كثيرة هكذا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرنا لك في الفتوى رقم: 283402، أن من سبل تحقيق الإخلاص الحرص على عمل صالح خفي مستدلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل. رواه الخطيب في تاريخه، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وصححه الألباني.
وليس معنى الحرص على إخفاء العمل أن تخفيه ولو بالكذب، فإن ذلك محرم بل كبيرة من الكبائر، ولكن المراد إخفاء ما تستطيع إخفاءه من الطاعات، ولو باستعمال المعاريض، كما جاء عن الحسن ـ رحمه الله ـ أنه قال: إنْ كان الرجل لتكون له الساعة يخلو فيها؛ فيصلي، ويوصي أهله فيقول: إنْ جاء أحد يطلبني فقولوا: هو في حاجة له.
وكان أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ ـ رحمه الله ـ فِي مَجْلِسٍ، فَجَاءتْهُ عَبْرَةٌ، فَجَعَلَ يَمْتَخِطُ وَيَقُوْلُ: مَا أَشَدَّ الزُّكَامَ!
وهذا من شدة حرصهم -رحمهم الله- على إخفاء العمل، وقد وصفهم الحسن أيضا بقوله: إنْ كان الرجل ليجمع القرآن ولم يشعر به الناس، وإنْ كان الرجل لينفق النفقة الكثيرة ولم يشعر به الناس، وإنْ كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته ولم يشعر به الناس، ولقد أدركت أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدًا.
وقال محمد بن واسع ـ رحمه الله ـ: لقد أدركتُ رِجالاً؛ كان الرجل يكون رأسه ورأس امرأته على وِساد واحد؛ قد بَلَّ ما تحت خده مِن دموعه؛ لا تشعر به امرأته، واللهِ لقد أدركتُ رِجالاً؛ كان أحدهم يقوم في الصف، فتسيل دموعه على خده لا يشعر الذي إلى جنبه.
وقال محمد بن أعين ـ وكان صاحب ابن المبارك في أسفاره ـ: كنا ذات ليلة ونحن في غزو الروم، فذهب عبد الله بن المبارك ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فوضعت رأسي على الرمح لأريه أني أنام كذلك، فظن أني قد نمت؛ فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمُقُه، فلما طلع الفجر أيقظني، وظن أني نائم، وقال: يا محمد؛ فقلتُ: إني لم أنم، فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يُكلمني، ولا ينبسط إليّ في شيء من غزاته كلها؛ كأنه لم يعجبه ذلك مني لما فطنتُ له من العمل! فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أر رجلاً أسرَّ بالخير منه.
وقال الأعمش ـ رحمه الله ـ: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل؛ فغطّى المصحف، وقال: لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 79094، 236203، 138811.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني