الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب من الرياء هل يعود إليه ثواب العمل

السؤال

شخص قام بعمل مما يبتغى به وجه الله، وكان هذا العمل يحتاج إلى عدة أيام لإتمامه، وكانت نية العامل في الأيام الأولى رياء، ثم تاب إلى الله، وأخلص في العمل في الأيام الأخيرة منه، مع العلم أن العمل في الأيام الاخيرة يعتمد على ما تم إنجازه من الأيام الأولى، فهل يُرد عمله ويعتبر شركًا أصغر؟ لأنني قرأت لكم فتوى برقم: 13997، فيها: ... وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله؛ كالصلاة، والصيام، والحج. فأما ما لا ارتباط فيه؛ كالقراءة، والذكر، وإنفاق المال، ونشر العلم: فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة، ويحتاج إلى تجديد نية.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ورد ذم الرياء في الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ [الماعون: 4-6]، وقوله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه". رواه مسلم، ورواه ابن ماجه بلفظ: "فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك".

وأخرج الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله -عز وجل-، فليطلب ثوابه من عند غير الله -عز وجل-، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك". وخرج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي أن رجلًا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا شيء له". فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا شيء له". ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتغي به وجهه".

وإذا تاب العبد من الرياء توبة صادقة، فإنه يرجى له قبول التوبة من معصية الرياء، ولكنه لا ينقلب العمل الذي راءى به عملًا صالحًا؛ فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب:

ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضًا موجب لكونه باطلًا، والمنّ به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المن بالصدقة، والمعروف، والبر، والاحسان، والصلة، مفسد لها، كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى... فإن قيل: فإذا تاب هذا هل يعود إليه ثواب العمل؟ قيل: إن كان قد عمله لغير الله تعالى، وأوقعه بهذه النية، فإنه لا ينقلب صالحًا بالتوبة، بل حسبُ التوبة أن تمحو عنه عقابه؛ فيصير لا له ولا عليه، وأما إن عمله لله تعالى خالصًا، ثم عرض له عجب ورياء، أو تحدث به، ثم تاب من ذلك وندم، فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط، وقد يقال: إنه لا يعود إليه، بل يستأنف العمل. اهـ.

وأما كلام ابن جرير: فإنه لا يراد به ما ذكر، وإنما يراد به العمل الذي بدأه العامل بنية صالحة، ثم طرأت عليه نية الرياء. وراجع الفتوى رقم: 49482.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني