الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قال لها زوجها: "إذا وجدت صورة لك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي فأنت طالق"

السؤال

أنا امرأة متزوجة، ولديّ ابنة، عمرها أربعة أشهر، واستمر العقد قبل الزواج مدة سنتين، وكانت دائمًا تحصل خلوة بيني وبين زوجي، مع العلم أن كل واحد منا من بلد، وزوجي -والحمد لله- ذو دين، وعلى خُلُق، ورغم ذلك كانت تحصل بيننا الكثير من المشاكل منذ الأسبوع الأول الذي عقدنا فيه، وكنت دائمًا أطلب الطلاق لسبب، ولغير سبب، مع أني أحبه.
وذات مرة احتدّ الخصام بيننا بالهاتف، وقلت له: "إن كنت رجلًا طلقني"، فاشتد به الغضب، وطلقني ثلاثًا؛ بما معناه: "أنت طالق طالق طالق"، فندمت ندمًا شديدًا، ومن الغد رجعنا بعد أن استشار رجل دين، وقال له: "إنها تحسب واحدة"، وتزوجنا -والحمد لله-.
وذات مرة قال لي زوجي: "إذا وجدت صورة لك على أحد مواقع التواصل الاجتماعي فأنت طالق"، لكنني مرة وضعتها بسبب الغضب، ولكن ما لبثنا أن تصالحنا.
ومرة أخرى وبدون قصد وضعتها ناسية يمينه، وبدون علمه، وهذه المرة وضعتها قاصدة، وقد طلبت الطلاق؛ لأنه لم يوفّر لي ظروف عيش ملائمة -لا بيت، ولا حتى المصروف- وقد تكفلت بي عائلتي منذ الولادة -والحمد لله-، ولا أنكر أنه أمدني بما استطاع؛ لأنه حينها كان في بداية عمل جديد، وانفصل الآن عن ذلك العمل بسبب مشاكل مع رئيس عمله، وهذا الأمر جعلني أطلب الطلاق لاستحالة العيش معه في ظل هذه الظروف، وابنتي ما زالت رضيعة. والأهم من ذلك: أنني لم أستطع العيش في بلده؛ لاختلاف الثقافات، والعادات. والحاصل: أن زواجي لم يستمر سوى بضعة أشهر، فأنا الآن بمنزل أبي. وعندما كنا نتحدث الأسبوع الماضي في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، ولأنه لم يجد حلًّا يرضيني؛ لأنه طلب مني العيش ببيت أبويه، وسط أخويه الذكور، فرفضت بشدة؛ معللة رفضي بصغر المنزل، وأنني لن أجد راحتي؛ فالماء يظل مقطعًا أسبوعًا وأكثر، وعندما وجد مني الرفض، وإصراري على الطلاق -مع أنني كنت أطلبه لأشعره بخطورة الموقف، وليس لبلوغ الطلاق-، قال لي: إنه طلقني، ولما سألته: كيف؟ قال لي: أنت طالق.
وأنا الآن في حيرة من أمري: هل طلاقي هذا هو طلاق رجعي، أم طلاق بائن؟
أرجوكم أفتوني في أقرب فرصة، وشكرًا لكم لما تقدمونه من خدمة للمسلمين، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فعلى ما فهمناه من سؤالك: فقد طُلقت من زوجك طلقتين بلا إشكال:

الأولى: قبل الدخول وبعد العقد والخلوة، وقد استفتى فيها بعض أهل العلم، فأفتاه بوقوع طلقة واحدة.

والثانية الأخيرة: بلفظ صريح نافذة بلا ريب.

وبقيت طلقة فيها تفصيل، وخلاف بين أهل العلم، وهي التي علّق فيها طلاقك على وضع صورتك في مواقع التواصل، فإن كان قصده تعليق الطلاق على اطلاعه على صورتك، وليس على مجرد وضع صورتك، فلم يقع الطلاق بمجرد وضعك الصورة، ما دام لم يطلع عليها، وعليه؛ فلم يقع إلا طلقتان، ويجوز له رجعتك في عدتك.

أما إذا كان قصده منعك من وضع صورتك؛ بغض النظر عن اطلاعه عليها، أو عدمه، فقد وقع طلاقك بوضع صورتك، وانحلت يمينه، فلا يتكرر الطلاق بوضع صورتك مرة أخرى عامدة، أو ناسية؛ لأنّ صيغة يمينه لا تقتضي التكرار؛ قال ابن قدامة -رحمه الله-: وأدوات الشرط المستعملة في الطلاق، والعتاق ستة: إن، ومن، وإذا، ومتى، وأي، وكلما، وليس فيها ما يقتضي التكرار، إلا: كلما؛ فإذا قال: إن قمت، أو: إذا قمت، أو: متى قمت، أو: أي وقت قمت، أو: من قام منكن، فهي طالق، فقامت، طلقت. وإن تكرر القيام، لم يتكرر الطلاق؛ لأن اللفظ لا يقتضي التكرار.

وعلى هذا الاحتمال؛ فقد بنت منه بينونة كبرى؛ فلا يملك رجعتك إلا إذا تزوجت زوجًا غيره -زواج رغبة لا زواج تحليل- ثم يطلقك الزوج الجديد بعد الدخول، أو يموت عنك، وتنقضي عدتك منه.

لكنّ بعض أهل العلم لا يوقعون الطلاق المعلّق الذي قصد به التهديد، والتأكيد، ولم يقصد به إيقاع الطلاق، ويجعلونه في حكم اليمين بالله؛ فتجب بالحنث فيه كفارة يمين، وراجعي الفتوى رقم: 11592.

فالذي ننصح به: أن تعرضوا مسألتكم على المحكمة الشرعية، أو على من تمكنكم مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم ودينهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني