الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على الزوج أن يدافع عن زوجته من أهلها؟ وهل يجوز لها الابتعاد عنهم؟

السؤال

لدي مشكلة بين أهلي وزوجي، بدأت المشكلة قبل الزواج، وبعد الزواج، وكان السبب الأكبر أن والدي لا يحترم زوجي، ولا يقدره بعد الخطبة، وأهان أبي خطيبي كثيرًا في الخطبة؛ حتى أنه هدده من المخابرات بعدم السماح له بالخروج من البلد إلى مكان إقامته،- والله يا شيخ بلا سبب- وظل خطيبي يتحمل إهانات والدي؛ حتى تزوجنا، وسافرت معه إلى بلد إقامته، وأنا سعيدة معه، وأحبه، وأتمنى لو أفديه بروحي، وأن أخدمه طوال عمري، وهو لم يتخل عني ولا لثانية واحدة، مع العلم أن أهلي -وخاصة أبي- تخلوا عني، واتهموني في أيام خطبتي -مع أننا كنا قد كتبنا الكتاب عند شيخ- بالزنا، وهو لم يلمسني من هذا الأمر -والله أعلم-، وفضحت أمام العالم كله بأنني عملت شيئًا حرامًا، حتى أن جدتي وخالتي شكّا فيّ، وقبل الزواج أخذوني للفحص عند الطبيبة، ووجدوني فتاة، ولا صحة لكلام أهلي، هذا وبعد الزواج بدأت المعالجة من أجل الحمل، ولم يعبني أبدًا، ورزقني الله -بفضله وكرمه- من زوجي ببنت، وأنا حامل، وأحب زوجي كثيرًا أكثر من أمي، وأبي، ونفسي، وجدت عنده من الحنان ما لم أجده في بيت أهلي، وبدأ أهلي يدققون على كل شيء: ماذا اشترى لها؟ هل عمل لها شهر عسل؟ ونحو هذا الكلام، وحدثت مشاكل لأن زوجي لا يريدهم أن يتدخلوا في منزلي، فهذا طبعه، وآخر مرة حدثت مشكلة بين أمي وزوجي، وبدأت أمي بالمسبات، أقل كلمة: أنت كالحذاء - مع العلم أنه احترمها- وأنت ليس لديك قيمة، نحن أهل المدينة وأنت ريفي، إلى آخر هذا الكلام النابي.
زوجي يقول: إن الزوج من واجبه أن يدافع عن زوجته؛ حتى لو كان على أهلها، ويردهم عن ظلمهم، وأنا أقول له: اتركهم أحسن؛ لأنهم أناس لا يستحقون أن تتكلم معهم أصلًا، وأنا -والله يا شيخ- كرهت تصرفات أهلي، وأحاول الاتصال بهم، عملًا بكتاب رب العالمين، وأحاول الابتعاد عنهم، وعن المحادثة معهم قدر المستطاع لتجنب المشاكل، فماذا يتوجب عليّ أن أفعل؟ وهم يقولون: إن زوجها يحرمها من كل شيء، ولا يجعلها تتكلم معنا، وهو يعلِّم ابنتنا علينا، مع أن أمي طلبت منه أن يطلقني بسبب آخر مشكلة، ولم يعد زوجي يعجبهم، وتكبروا عليه، وهل واجب زوجي أن يدافع عني منهم؟ مع العلم أنهم لا يحترمونه، ويهينونه بالكلام، وهل أستطيع الابتعاد عنهم أكثر فأكثر؟ فكل مشكلتي من أبي وأمي، وتكبرهم على زوجي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن المعلوم عادة شفقة الوالدين على ابنتهم، وحرصهم على ما فيه مصلحتها، ودفع الضر عنها، وما ذكرته عن والديك يخالف هذا تمامًا، وخاصة فيما يتعلق باتهامهما إياك في عرضك، فإن صح ذلك عنهما فقد أتيا بهتانًا وإثمًا مبينًا، وراجعي في القذف وخطورته وعقوبته الفتوى رقم: 97927، فنوصيك أولًا بالدعاء لهما بأن يرزقهما ربهما الرشد والصواب، ثم عليك بمناصحتهما بالحسنى.

ولا بأس بأن تسلطي عليهما فضلاء الناس، ويجب عليك برهما، والإحسان إليهما، رغم ظلمهما لك، وإساءتهما إليك، فذلك لا يسقط هذا الواجب عنك، وراجعي الفتوى رقم: 3459.

وقد أحسنت بحرصك على التواصل معهما، فاصبري على ذلك ما أمكنك، ففي ذلك رفعة للدرجات، وكفارة للسيئات، فعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الصَّدَقَاتِ أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ. رواه أحمد. والكاشح هو المضمر العداوة.

قال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: يعني أفضل الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه، وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وتصل من قطعك. اهـ.

وإذا كان اتصالك بهما تترتب عليه مفسدة أعظم، فتعاهديهما بغير ذلك من أنواع الصلة، كالإهداء لهما، ونحو ذلك، مما قد يطيب خواطرهما، وراجعي الفتوى رقم: 56848، والفتوى رقم: 108442، فما ذكرت من أمر الابتعاد عنهم يتعلق بمدى المصلحة الشرعية في ذلك من المفسدة، وإلا فالصلة هي الأصل، وهي الواجب -كما أسلفنا-.

وأما السؤال عما إذا كان يجب على الزوج دفع الأذى عن زوجته، فلم نجد نصًّا بخصوصها، ولكن من المعلوم أن الشرع قد أمر بنصرة المظلوم، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا.

وقد نص أهل العلم على أن نصرة المظلوم من فروض الكفاية، قال النووي: أَمَّا نَصْر الْمَظْلُوم فَمِنْ فُرُوض الْكِفَايَة, وَهُوَ مِنْ جُمْلَة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر, وَإِنَّمَا يَتَوَجَّه الْأَمْر بِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا. اهـ.

لكن إن كنت تسامحين في حقك، وتصبرين على الأذى، وترين المصلحة في إعراضه عن أذى أهلك لك، فلا يجب عليه نصرتك، والإعراض هنا أولى، وفيه تقليل للشر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني