الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث ابن أم مكتوم؛ وصلاة الجماعة

السؤال

قرأت الخلاف في حكم صلاة الجماعة، وقرأت أدلة القائلين بالوجوب والقائلين بعدمه، وردودهم على من قال بالوجوب، فخلصت لنتيجة قامت عندي بها الحجة ورجح في ظني بها الوجوب؛ لأنها في نظري نقطة لا يمكن ردها، وبحكم أني جاهل أردت استشارتكم فيها فأرشدوني جزيتم خيرا ورأيي كالتالي:
أقوى أدلة الوجوب في نظري حديث ابن أم مكتوم حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرخص له، وقد قرأت الردود عليه، فمنهم من قال بأنه تُرك العمل به، ومنهم من قال منسوخ، وأظن أن ما حمل القائلين بالنسخ التعارض الظاهر بينه وبين حديث الأفضلية (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد...) فقالوا: لو كانت واجبة لما وردت صيغة التفاضل، ورُد عليهم بالآية (أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرا وأحسن مقيلا) إلا أنهم قالوا إن الحديث قيد المفاضلة بعدد فلا يمكن الاستدلال بالآية؛ لأن تقييد المفاضلة بعدد يثبت عددا أقل من الفضل للمنفرد، وقال القائلون بالوجوب أن المفاضلة بين من حضر الجماعة والمنفرد بعذر، ورُد عليهم بأن من تركها لعذر وهو من أهلها قبل العذر كان له بإذن الله أجر الجماعة، وهذا قول قوي لا يمكن رده لولا حديث ابن ام مكتوم، فخطر في ذهني أن المعذور على صنفين الأول المعذور بالأعذار المعروفة كالمطر والمرض والذي يرجى له أجر الجماعة، والمعذور الآخر هو المعذور بعذر يمكنه تجنبه كمن أكل ثوما وكان بإمكانه أن يستغني عنه أو يؤجله، أو مسافر يمكنه التوقف للصلاة في جماعة إلا أنه فضل أن يكمل مسيره ويتوقف قبل خروج الوقت للصلاة منفردا، وشراء شيء للأكل مثلا فهو يفضل قطع المسافة وتقليل مرات الوقوف مع أنه يمكن أن يتوقف للصلاة في جماعة، فإذا رأيتم صحة هذا المبحث فإنه يمكن بذلك الأخذ بجميع الأدلة وعدم ترك أحدها بحجة التعارض الذي حمل البعض على ترك حديث ابن أم مكتوم أو تأويله بأنه كان في بداية الإسلام وكان المقصود تكثير سواد المسلمين وغيره من التأويلات للحديث فإذا أمكن إعمالها كلها ولم يكن هناك نسخ صريح لأحدها فهذا أفضل ما يمكن به الجمع بينها.
إذا يصبح دليل الأفضلية لدى القائلين بالوجوب مقارنة بين المعذور بعذر يمكن تجنبه ولم يتجنبه وبين من يتجنب العذر لأدائها جماعة، ولكني خارج المملكة ولا أجد عالما أناقشه وحتى إن عدت فأنا لا أعرف ثقة عالما يخبرني برأيه فاستشرتكم لثقتي بكم ولا نزكي على الله فما رأيكم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشكر الله لك سعيك وبذلك لجهدك للوصول إلى فهم ما أشكل عليك من أمور دينك، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك الفقه في الدين والتوفيق إلى طريق الحق، أما إقرار وتسليم ما توصلت إليه من التوفيق بين أدلة الفريقين ومحاولة رفع الخلاف بينهما بما ذكرت فيحتاج إلى استقصاء في البحث واطلاع على كل أدلة الفريقين، وهو أمر يحتاج إلى وقت طويل.

وحديث ابن أم مكتوم؛ من قال بنسخه لم يعتمد حديث الأفضلية كما ذكرت، ولكن لأنه مخالف للأدلة على سقوط الجماعة عن المعذور؛ قال ابن رجب في فتح الباري: ومن الناس من أشار إلى نسخ حديث ابن أم مكتوم بحديث عتبان، فإن الأعذار التي ذكرها ابن أم مكتوم يكفي بعضها في سقوط حضور المسجد، وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد بظاهره، يعني: أن هذا لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن أم مكتوم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني