الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عندما كنت صغيرًا مات أبي، فدخلت عليّ ابنة خالتي وأنا ألعب الكرة، فصرخت في وجهي، وهي تبكي، وقالت: (أتلعب وأبوك ميت؟)، ومنذ ذلك الحين أصبت بصدمة كبيرة، وأصبح عندي خوف نفسي من داخلي أن يتكرر معي ذلك الموقف في أي وقت، بسبب أي عمل مبهِج أفعله، فأصبحت أخاف أن يموت أحد، فيدخل عليّ من يخبرني بموته، فيجدني أفعل أي شيء مبهج، فيحدث لي نفس الموقف؛ ولذلك كلما لعبت، أو ضحكت، أو فعلت شيئًا مبهجًا تذكرت ذلك الموقف، وذهبت مني اللذة، وأصبت باكتئاب، وما زلت أتعالج منه إلى الآن، وكلمتها، ونصحتها، ولكنها مصرة أنها غير مخطئة، ولكنها قالت -وهي تضحك-: لن أفعلها معك مرة ثانية، ولم أشعر من كلامها أنها مقتنعة بالنصيحة، ولكني فعلًا أخشى أن يتكرر ذلك معي مرة أخرى، فهل يجوز هجرها تجنبًا لأذاها، وتجنبًا لتكرار ذلك الموقف؛ حتى تهدأ نفسي؟ وهل يعتبر ذلك ضررًا محققًا على النفس يبرر الهجر؟ مع العلم أن الموقف مر عليه 13 سنة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يعافيك، ويشفيك، وأن يرحم أباك وموتى المسلمين.

ونوصيك بالعفو، والصفح عن ابنة خالتك، والتغاضي عن ذلك الموقف، وتناسيه، فلعلها لم يدر بخلدها سوء عاقبته، واعلم أن العفو من الخصال الحميدة، فهو من صفات المتقين، كما قال سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:133/134}، والعفو سبب لمغفرة الله لمن عفا، كما قال تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور:22}، وانظر المزيد من فضائل العفو في الفتوى رقم: 27841.

وأما عن حكم هجرها: فالأصل أن الهجر فوق ثلاث ليال محرم؛ لحديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
لكن الهجر المحرم يزول بمجرد السلام عند التلاقي، قال ابن حجر: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام، ورده. اهـ. وقال النووي: قال مالك، والشافعي، والجمهور: وتزول الهجرة بمجرد سلامه عليه، وهو ظاهر قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» .اهـ. فإذا سلمت على ابنة خالتك عند لقائها، فقد خرجت من الهجر المحرم.

على أن الهجر ـ بترك السلام ـ فوق ثلاث مرخص فيه إن كان الوصل يؤدي إلى الضرر، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصًا على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. أهـ.

ولتعلم أن ابنة الخالة ليست من الرحم الواجب صلتها، وإنما تستحب صلتها، ولا تجب، فإن الرحم التي تجب صلتها، وتحرم قطيعتها هي: كل ذي رحم محرم على القول الراجح، وأما بقية الأقارب فتستحب صلتهم، ولا تجب، كما بيناه في الفتوى رقم: 11449.

واعلم كذلك: أن ابنة الخالة أجنبية، وليست من المحارم، فتعامل معاملة النساء الأجنبيات، فلا يجوز الخلوة بها، ولا النظر إلى زينتها، ونحو ذلك، وراجع حول التعامل الشرعي مع ابنة الخالة ونحوها من القريبات الفتويين التالية أرقامهما: 58132، 29724.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 59780.

ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا بخصوص مشكلتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني