الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاح حال المسلمين غير متعلق بمجيء المهدي أو نزول عيسى -عليه السلام

السؤال

سمعت في تفسير قول الله تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون": أن الدول العربية إذا تمتعت بالعدل، ولم يكن هناك ظلم فيها، سيعطيهم الله الأمن والأمان، وسيهديهم إلى الحق والرقي والرخاء. فهل هذا تفسير الآية؟ وإن لم يكن، فهل ذُكر في القرآن الحل الأمثل للقضاء النهائي على الفوضى، والقتل، والهرج، والمرج، وتحقيق الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية في هذه الدول، أم أنه أمر مسلم به، وليس له حل حتى يأتي المهدي المنتظر، وينزل المسيح من السماء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المراد بالظلم في الآية هو الشرك؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ـ شق ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم.

ولا شك أن إقامة العدل، وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول، وتفوقها، وغلبتها، وتوفير الأمن والاستقرار بها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة". اهـ.

ولما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شداد يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: تقوم الساعة والروم أكثر الناس. قال له عمرو: أبصر ما تقول؟ فقال المستورد: أقول ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال عمرو: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم.

فكأنَّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يحكم بأن هذه الخصال هي السبب في بقائهم وكثرتهم، وفي المقابل يكون الظلم وتضييع الأمانة وإهدار الحقوق هي معالم الخراب والهزيمة، وهذا أصل مقرر في علم الاجتماع، وقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلًا بعنوان: (الظلم مؤذن بخراب العمران).

وصلاح حال المسلمين وتحقيق العدل بينهم أمر ممكن، ولا يعلق على مجيء المهدي أو نزول عيسى -عليه السلام-، ولكنه يحتاج إلى عمل وبذل وتضحية، وراجع الفتويين التاليتين: 119405 ، 175543.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني