الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الذهاب للمسجد بقصد الصلاة مع حصول منفعة دنيوية

السؤال

ما حكم الذهاب إلى المسجد بنية الصلاة، وشيء آخر كشراء شيء، أو قضاء غرض؟ وهل ذلك ينقص من الأجر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذهاب للمسجد بقصد الصلاة مع حصول منفعة دنيوية، كشراء حاجة, أو نحوه جائز, لكن قد اختلف أهل العلم هل هذا قادح في الإخلاص؟ وهل ينال صاحبه ثواب العبادة كاملًا؟ أم ليس له ثواب أصلًا, وإليك بعض كلام أهل العلم في هذه المسألة:

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا نعلم خلافًا بين الفقهاء في جواز تشريك ما لا يحتاج إلى نية في نية العبادة، كالتجارة مع الحج؛ لقوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات...} وقوله في شأن الحج أيضًا: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم} نزلت في التجارة مع الحج، والصوم مع قصد الصحة، والوضوء مع نية التبرد، والصلاة مع نية دفع الغريم؛ لأن هذه الأشياء تحصل بغير نية، فلم يؤثر تشريكها في نية العبادة، وكالجهاد مع قصد حصول الغنيمة.

وفي الموسوعة الفقهية أيضًا: أما الثواب فالظاهر عدم حصوله، وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني أغلب، فله بقدره، وإن تساويا تساقطا، واختار ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقًا، سواء أتساوى القصدان أم اختلفا. انتهى
وفي عون المعبود: وفيهما دليل على جواز التجارة في الغزو، وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم، وله الثواب الكامل بلا نقص، ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وسلم، فلما لم يبين ذلك، بل قرره دل على عدم النقصان، ويؤيد ذلك جواز الاتجار في سفر الحج؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزل الله تبارك وتعالى: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم" قاله الشوكاني. انتهى

وفي مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة: وإنما نتكلم الآن فيمن انبعث لقصد التقرب، ولكن امتزج بهذا الباعث باعث آخر، إما من الرياء، أو من غيره من حظوظ النفس، ومثال ذلك أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب، أو يعتق عبدًا ليتخلص من مؤونته، وسوء خلقه، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر، أو للتخلص من شر يعرض له، أو يغزو ليمارس الحرب، ويتعلم أسبابها، أو يصلي بالليل وله غرض في دفع النعاس عن نفسه ليراقب رحله، أو أهله، أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه من المال، أو يشتغل بالتدريس ليفرح بلذة الكلام، ونحو ذلك، فمتى كان باعثه التقرب إلى الله تعالى، ولكن انضاف إليه خاطر من هذه الخواطر حتى صار العمل أخف عليه بسبب من هذه الأمور، فقد خرج عمله عن حد الإخلاص. انتهى.

وبناء على ما سبق فينبغي للمسلم أن يبتعد عما قد يبطل ثواب عمله الصالح، أو ينقصه, وأن يذهب للمسجد بقصد التقرب إلى الله تعالى بأداء فريضة الصلاة, ثم له بعد ذلك أن يشتغل بمصالحه الدنيوية من بيع, أو شراء, أو نحوه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني