الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم كتابة الطلاق وتعليقه وصريحه تهديداعند شدة الغضب

السؤال

سؤالي: ينقسم إلى ثلاث نقاط:
أولا: كان زوجي مسافرا، وكنت أتحدث معه عن طريق النت كتابة، ونحن نتحدث تشاجرنا، فكتب لي: أنت طالق، وكانت نيته التهديد ليس إلا.
هل تحسب طلقة، مع العلم أنه لم يرجعني بعدها، ظنا منه أنه لم يطلقني، وعاشرني معاشرة الأزواج.
ثانيا: حلف علي بالطلاق بالثلاث، إذا رفعت صوتي، وأنا أتشاجر معه مرة أخرى، وقال بالنص: (تكونين طالقا بالثلاث، لو رفعت صوتك علي، مرة أخرى) وهو مالكي (لأنه سوداني وليس مصريا، مع العلم أننا عندما تزوجنا، تزوجنا على مذهب أبي حنيفة) أنا مالكي، والثلاث تحسب ثلاثا عندنا، وأنا أعلم ما أقوله) وهو دائم التهديد بالطلاق، ولكنه لا يتذكر حينها هل كان جادا أم تهديدا. وقد رفعت صوتي بعدها، وكنت ناسية هذا الحلف، وعلى ما أتذكر أنني في إحدى المرات، تذكرت حلفه، وأنا أتشاجر معه بصوت عال، فأكملت، ولو أني غير متأكدة من هذه النقطة، أكملت أم لا، ولكن عندي إحساس أني أكملت، ولم أخفض صوتي، مجرد إحساس، لا أتذكر فعلا.
ثالثا: كان يتشاجر معي، وكان منفعلا جدا، فقال لي: أنت طالق، في لحظة غضب شديد مثل (مثلا أحد وهو غاضب كسر هاتفه، وألقى به أرضا، وهو يعلم ما سيحدث له من ضرر، وفي نفس الوقت لم يستطع منع نفسه من فعله) وأيضا تهديد؛ لأنه لا يريد إنهاء زواجنا أبدا، ولكنه اعتاد على تخويفي بها.
هل تحسب طلقة ثالثة، مع العلم أننا سألنا مأذونا، وقال الأخيرة محسوبة، والأولى محسوبة، ولم نسأل عن الثانية؛ لأننا كنا قد نسيناها.
أرجو الإفادة.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبخصوص السؤال الأول: فإنّ كتابة صريح الطلاق، في رسائل الجوال، أو غيرها، دون التلفظ به، مختلف في حكمها هل هي كالتلفظ بالصريح، لا تحتاج إلى نية؟ أم هي كناية تحتاج إلى النية؟ وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 167795.
فعلى القول بأنّ الكتابة كناية، فلم يقع طلاقك ما دام زوجك قصد بالرسالة تهديدك، ولم يقصد بها إيقاع الطلاق. وأما على القول باعتبارها كاللفظ الصريح، فقد وقع الطلاق، ومجرد معاشرته لك في عدتك، حصلت به الرجعة، عند بعض أهل العلم، وراجعي الفتوى رقم: 54195.
وبخصوص السؤال الثاني: فاعلمي أنّ جمهور أهل العلم بمن فيهم الأئمة الأربعة، على أن الحلف بالطلاق -سواء أريد به الطلاق، أو التهديد، أو المنع، أو الحث، أو التأكيد- يقع به الطلاق عند وقوع الحنث، وأنّ الطلاق بلفظ الثلاث، يقع ثلاثاً، وهذا هو المفتى به عندنا، و بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث، لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وعند قصد الطلاق، يرى أنّ الطلاق بلفظ الثلاث يقع واحدة، وانظري الفتوى رقم: 11592.

وإذا فعلت الزوجة المحلوف عليه ناسية، ففي حصول الحنث حينئذ، خلاف بين أهل العلم.

قال البهوتي (الحنبلي): فمن حلف على زوجته، أو نحوها، لا تدخل دارا، فدخلتها مكرهة، لم يحنث مطلقا، وإن دخلتها جاهلة، أو ناسية، فعلى التفصيل السابق، فلا يحنث في غير طلاق، وعتاق، وفيهما الروايتان. كشاف القناع.

وقد رجحنا القول بعدم الحنث، في الفتوى رقم: 139800.

وإذا حصل شك في فعل المحلوف عليه، فلا يحكم بالحنث بناء على الشك.

قال المجد ابن تيمية (رحمه الله): إذا شك في الطلاق، أو في شرطه، بني على يقين النكاح. المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
وأما السؤال الثالث: فجوابه أنّ الطلاق باللفظ الصريح، لا يفتقر إلى نية، فيقع الطلاق ولو قصد به الزوج التهديد، ولا يمنع نفوذه غضب الزوج عند تلفظه به، ما دام عقله ثابتاً لم يزل بالكلية.

قال الرحيباني الحنبلي –رحمه الله-: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى.
والأولى في هذه المسائل التي فيها تفصيل، وخلاف بين أهل العلم، أن تعرض على من تمكن مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني