الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

تزوجت من زوجتي زواجاً صحيحا، مستوفياً للشروط الشرعية، ثم أصرت على الخلع، وخلعتها، ثم تزوجتها مرة ثانية على المذهب المالكي بدون شهود، ولكن على المذهب المالكي، لا بد من شهود قبل الدخول، ونحن لم نحضر شهوداً، ومع ذلك جامعتها، وبعد ذلك بثلاثة شهور طلقتها أيضاً بدون شهود، لكنها قالت لي إننا نستطيع الجماع على المذاهب الأخرى، ما عدا الحنفي، دون أن يعد ذلك رجعة، فوقعت عليها بعد شهر من الطلاق.
أعلم أن نكاحنا باطل، ويستوجب الفسخ على أغلب الأقوال والمذاهب، ولكنني لا أدري ما أفعل، وهل هي زوجتي أم لا. غفر الله لي، ولها، ولسائر المسلمين، وهي الآن تطلب مني أن أطلقها مرة ثانية.
فماذا أفعل؟
هذا مع العلم أنني آخذ أدوية نفسية، لها آثار جانبية شديدة، من ضمنها أنها تؤدي لتسرعي، واندفاعي في الأمور، كما أنها تؤثر على قدراتي الذهنية أحياناً، فأنا أعاني مما يسميه الأطباء النفسيون "الاكتئاب ثنائي القطب" منذ أكثر من 14 عاماً.
أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن الخطأ واتباع الهوى أن يتساهل المسلم في أمر دينه، فيقدم على الفعل قبل أن يسأل أهل العلم، والله سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الحجرات:1}.

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسيره هذه الآية: وَهَذِهِ الْآيَةُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يُقْدِمُ عَلَى فِعْلٍ، حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ الْعِلْمَ بِحُكْمِ مَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ، مِنْ قِسْمِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ الَّذِينَ تُعْرَضُ لَهُمْ. اهـ.

وقال الأخضري -المالكي- في مختصره: ولا يحل له -يعني المكلف- أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه، أو يسأل العلماء العاملين، ويقتدي بالمتبعين. اهـ. ويشتد النكير إذا كان الأمر يتعلق بالفروج؛ لعظم شأنها، وهنالك ضابط فقهي ذكره الفقهاء، وهو أن الأصل في الفروج التحريم. فلينتبه لهذا!
ومن عجيب أمرك، عدم التزامك بما التزمت به، نعني زواجك إياها على المذهب المالكي، ثم وطؤك إياها قبل الإشهاد عند الدخول، وهو ما يشترطه المالكية. والحاصل أن هذا النكاح فاسد، وما ترتب عليه من طلاق فإنه يقع، وانظر فتوانا رقم: 185991. ومنها تعلم حصول البينونة، وأنها ليست زوجة لك، وأنك قد وطئتها إذن وهي أجنبية عنك، فهذا ذنب، يجب عليك التوبة منه، وراجع شروط التوبة في الفتوى رقم: 5450. وهي ليست في عصمتك، كما ذكرنا، فكيف تطلب الطلاق؟!

واعلم أن من كان يعي تصرفاته، فإنه مكلف شرعا، ولا عبرة بما قد ينتابه من أمور نفسية ونحوها.

ولا ندري من أين لهذه المرأة القول:" نستطيع الجماع على المذاهب الأخرى ما عدا الحنفي، دون أن يعد ذلك رجعة" وعلى أي أساس صدقتها، ووطئتها! نخشى أن يكون الأمر مجرد هوى. وإن كانت تقصد كلام الفقهاء فيما تحصل به الرجعة، فراجع أقوالهم في الفتوى رقم: 30719.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني