الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب صلة الأم بالمتعارف عليه ولو تسببت بالمضايقات

السؤال

أمي منفصلة عن أبي منذ طفولتي، وكنت أبلغ من العمر حينها عامين وأختي 40 يوما، بسبب حدوث مشاكل عائلية، وتم تنازلها عنا في قسم الشرطة، وتربينا على يد عمتي، وقد أحسنت تربيتنا، وهي نعم الأم، ومنذ طفولتي إلى أن كبرت وتزوجت كنت أرى أمي حيث كانت تأتينا، وقد تزوجت بعد أبي وأنجبت بنتين، وبعد عمر تركتهما لوالدهما وتزوجت مرة ثالثة، وانفصلت مرة أخرى، مع العلم أنها ساعدتنا ـ أنا وأختي ـ في بعض مصاريف الزواج، وكانت تأتيني بعد الزواج، وكانت تجلب لي المشاكل وتتدخل في شؤوني، وأنا غير معتادة على أسلوبها وطريقتها وأحس أن تربيتي تختلف تماما عنها، وتصرفاتها تضايقني كثيرا، وتعاملها مع زوجي بطريقة غير لائقة تؤذيني، وحدثت مشكلة بيني وبينها، ولا أتحدث معها منذ فترة، ولا أشعر بالرغبة في الحديث معها مرة أخرى، وكأنه لا إحساس أو شعور لها كأم، وهي مستاءه من عدم حديثي معها وقالت لأختي ربنا يكرمكم بالذرية الصالحة، وحينها تعرفون معنى الأولاد وقيمة الأم، وللعلم فإنها لم تقدم أي شيء لنا من عطف وحب وحنان يشعرنا بوجودها دائما، وكانت تعوضنا بالمال والأشياء المادية التي لا تعني لنا شيئا، فما هو المطلوب مني كي أؤدي واجبي كابنة؟ وما حكم مقاطعتها أو تجنبها حفاظا من الوقوع في المشاكل في بيتي ومع زوجي؟ مع العلم أن زوجي لم يمنعني من التحدث إليها، بل بالعكس فدائما يقول لي والدتك وحيدة حاولي أن تكسبيها، وحاولت كثيرا، لكنني لم أقدر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنود أن نبين أولا أن ما حكيت من حالك مع أمك خير دليل على خطورة الطلاق، وعواقبه الوخيمة في الغالب وخاصة على الأولاد الذين يكونون أول ضحاياه بسبب فراق الأبوين، ومفارقتهما لأبنائهما، فتشغل الأم بزواجها من آخر، ويشغل الأب بزواجه من أخرى، فيفقد الأولاد حنان الأبوين، فلينتبه الأزواج لذلك، وليجتهدا في حل مشاكلهما بعيدا عن الطلاق، وراجعي الفتويين رقم: 9904، ورقم: 68365.

وعلى أي من الزوجين تعاهد الأبناء بالرعاية وتفقد الأحوال وحسن التوجيه، ولو سقطت عنه حضانتهما، ولكن يبقى الوالد والدا ولو صدر منه تقصير تجاه أبنائه، فذلك لا يسقط عن ولده وجوب بره والإحسان إليه، وذلك لأن الله تعالى أوجب بر الوالدين ولو كانا كافرين، فكيف إذا كانا مسلمين، قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: ففي هذا دليل على أن الإنسان يصل أقاربه ولو كانوا على غير الإسلام، لأن لهم حق القرابة، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة لقمان: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ـ يعني إن أمرك والداك وألحا في الطلب على أن تشرك بالله، فلا تطعهما، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن صاحبهما في الدنيا معروفا أي أعطهم من الدنيا ما يجب لهم من الصلة ولو كانا كافرين أو فاسقين، لأن لهما حق القرابة... اهـ.

ويكفي أمك أنها سبب وجودك في الدنيا، وأنها حملتك في بطنها وعانت في ذلك أيما معاناة فضعفت ومرضت وسهرت، وإذا لم يتحرك قلبك بالحب تجاهها، فلا مؤاخذة عليك في ذلك، لأن هذا ليس بمقدورك التحكم فيه، وقد قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق:7}.

ولكن لا يجوز أن يكون ذلك دافعا للتقصير في شيء من حقها، فتقعين في العقوق، وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم:136820، ورقم: 55048.

وقد أحسن زوجك بحضك على صلة أمك، فنعم الزوج هو، وإذا كانت زيارة أمك لك، أو زيارتك لها ربما صارت سببا للمشاكل فصليها بما أمكن، فكل ما يعد صلة عرفا فهو صلة، من الاتصال وتفقد الأحوال وبذل الهدايا ونحو ذلك، قال الشيخ ابن عثيمين وهو يتحدث عن صلة الأقارب: وصلتهم بما جرى به العرف واتّبعه الناس، لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها، ولا جنسها، ولا مقدارها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بشيء معين، بل أطلق، ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة، فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة، فهو قطيعة.... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني