الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج والحمل والولادة في الجنة

السؤال

أنا رجل عقيم ومعاق ومريض أبلغ من العمر:... عاما، ولا أستطيع الزواج لظروف كثيرة، فإذا رزقني الله عز وجل بالجنة، فهل ستكون لي زوجة من نساء الدنيا؟ وهل ستكون لي ذرية كباقي الناس في الجنة؟.
أفيدوني بارك الله لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنا نسأل الله لنا ولك العافية وأن يرزقك الزوجة الصالحة والذرية الصالحة وأن يُقر عينك بها في الدنيا والآخرة. وننصحك بعدم اليأس من العلاج وأن تحرص على الزواج، فربما تجد امرأة مناسبة لحالك، ولا يمنعك من ذلك فقرك، فإن الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}.

وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. {النور:32}.

وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.

وقد نقل ابن كثير الأثرين السابقين عنهما.

وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه الترمذي، والنسائي، وأحمد، وابن ماجه، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.

واحرص على الدعاء آخر الليل، فهو مظنة للإجابة، لما في حديث مسلم: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يسألني فأعطيه.

وأيقن أن الله لا يضيع دعاءك، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله؛ ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر ويدع الدعاء.

وابحث عن الدواء، فكل مرض يوجد له علاج، كما في الحديث عن أسامة بن شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم. رواه أبو داود، وصححه الألباني.

ومن الأدعية التي يدعو بها المسلم من أجل الإنجاب والذرية: دعاء سيدنا زكريا عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ {آل عمران:38}.

وفي سورة الأنبياء: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ {النساء:89}.

ومنها: دعاء إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ {الصافات:100}.

ومن الأدعية النافعة على كل حال ولكل مطلب:
1ـ دعاء يونس ـ عليه السلام ـ قال صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له. رواه الترمذي والنسائي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
2ـ كثرة الاستغفار: قال تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً {نوح:10ـ 12}

وأما عن الجنة: فإن جميع أهلها سيتزوجون، كما قال تعالى: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ {الطُّور:20}.

وقال تعالى: وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 25}.

وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما في الجنة عزب.

قال ابن منظور في لسان العرب: العزاب: هم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء.

وفي حديث مسلم في شأن أهل الجنة: قوله صلى الله عليه وسلم: لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان.

وأما عن الولد: فإذا كان الشخص من أهل الجنة يشتهي الولد فيرجى له أن يحصل عليه، كما دلت على ذلك نصوص الوحي التي تفيد حصول أهل الجنة على أمانيهم، فقد أخبرنا الله عز وجل في محكم كتابه عن نعيم الجنة بقوله تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {الزخرف: 71}.

وقال تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ {قّ:35}.
وقد اختلف هل تكون هناك شهوة للولد أم لا؟ فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.

قال الترمذي: وقد اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: في الجنة جماع ولا يكون ولد، قاله طاووس ومجاهد والنخعي، وقال محمد ـ يعني البخاري ـ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي، ولكن لا يشتهي ـ قال محمد البخاري: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ـ وليس في رواية الإمام أحمد: ولكن لا يشتهي. اهـ

وقال ابن كثير: نقل عن جماعة من التابعين، كطاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي وغيرهم: أن الجنة لا يولد فيها ـ وهذا صحيح، وذلك أن جماعهم لا يقتضي ولدا كما هو الواقع في الدنيا، فإن الدنيا دار يراد منها بقاء النسل لتعمر، وأما الجنة: فالمراد بقاء الملك، ولهذا لا يكون في جماعهم مني يقطع لذة الجماع، ولكن إذا أحب أحدهم الولد يقع كما يريد، قال الله تعالى: لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين. اهـ.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: الباب السادس والخمسون: في ذكر اختلاف الناس هل في الجنة حمل وولادة أم لا؟ وعرض فيها أدلة القولين تفصيلا، وجواب كل طائفة عن أدلة الطائفة الأخرى، فكان من أدلة المثبتين حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي ـ ومن أدلة المانعين حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا، وفيه في وصف حال أهل الجنة: الصالحات للصالحين تلذون بهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم، غير أن لا توالد ـ ثم ختم ابن القيم هذا الباب بعد أن أطال فيه النفس بقوله: حديث أبي سعيد الخدري هذا أجود أسانيده إسناد الترمذي، وقد حكم بغرابته، وأنه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق الناجي، وقد اضطرب لفظه، فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد، وتارة أنه ليشتهي الولد، وتارة إن الرجل من أهل الجنة ليولد له، فالله أعلم، فإن كان رسول الله قد قاله فهو الحق الذي لا شك فيه، وهذه الألفاظ لا تنافي بينها ولا تناقض، وحديث أبي رزين: غير أن لا توالد إذ ذاك ـ نفي للتوالد المعهود في الدنيا، ولا ينفي ولادة حمل الولد فيها ووضعه وسنه وشبابه في ساعة واحدة، فهذا ما انتهى إليه علمنا القاصر في هذه المسألة، وقد أتينا فيها بما لعلك لا تجده في غير هذا الكتاب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني